شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دار الندوة وما طرأ عليها في أدوارها التاريخية (5)
تجديد مسجد دار الندوة:
لقد مرت على المسجد الحرام عمارات وترميمات عديدة بعد إنشاء دار الندوة، فكانت تلك التعميرات بطبيعة الحال تشمل دار الندوة وهي كثيرة، والمهم منها والتي أحدثت تغييراً ظاهراً هي عمارة الأمير بيسق الظاهر عام 804هـ، ثم عمارة السلطان سليم خان عام 980هـ، وفي هذه العمارة هدم جميع المسجد من أساسه، وأنشئ إنشاءً جديداً، ومن ذلك التاريخ حتى الآن لم تحدث في المسجد الحرام إلا ترميمات وإصلاحات بسيطة، فالشكل الحاضر للمسجد المكي ومنه مسجد دار الندوة هو من بناية السلطان سليم خان.
مكان دار الندوة وحدودها:
بالرغم من التفصيلات الكثيرة الموجودة في كتب التاريخ عن دار الندوة، فقد ذهب بعض الناس مذاهب شتى، وأتخذ في ذلك أقوالاً مختلفة، ونأسف لكون بعضهم شذ عن الحق والحقيقة، ولقد ذهب بعض الكتّاب إلى أن مكان دار الندوة المقام الحنفي، ومنهم صاحب الرحلة الحجازية (راجع ص 95)، والخضراوي صاحب تاج تواريخ البشر، وغيرهم، كما أن ذلك علق بأفكار الكثير من أهل الحجاز وغيرهم من أهل الأمصار حتى كادت تضيع الحقيقة، وقال بعضهم: أن مكان دار الندوة الحجر المفروش خلف المقام. والحقيقة التي لا مرية فيها أن دار الندوة كانت داراً كبيرة، والذي نميل إليه ونعتقده ونجزم به بعد البحث الدقيق الذي قمنا به أن دار الندوة كانت تبدأ من وسط حجر المطاف من جهة المقام الحنفي وتنتهي عند درج باب الزيادة، وأن البنايات القائمة فيها كانت على أغلب الظن تمتد من درج باب الزيادة وتنتهي في الرواق، ومن هنا تبدأ صالة دار الندوة فتنتهي في وسط صحن المطاف، وفي وسط صحن المطاف كان باب دار الندوة، ولقد جرت عادة العرب في البنايات أن تجعل أمام البناية صالة واسعة (حوش) لدوابها، ولا تزال هذه العادة متبعة عند العرب حتى يومنا هذا، وهي عادة تقضي بها حياتهم الطبيعية للمتحضرين منهم، ثم ليس من المعقول أن تكون دار الندوة التي هي في الأصل دار قصي سيد قريش والتي أنشأها داراً للملك، ولسكنى عائلته، وللنظر في الظلامات المرفوعة إليه بمقاس المقام الحنفي، أو بمقام الحجر الذي خلفه - إن ذلك غير معقول، وكون باب الندوة في وسط صحن المطاف شيء مثبوت في التواريخ، يقول الأزرقي (ص 308) طبعة أوروبا ما نقله: "… ثم رد جدار المسجد (أي ابن الزبير) منحدراً على وجه دار الندوة وهي يومئذ داخلة في المسجد الحرام إلى أن قال: فلم يزل باب دار الندوة في موضعه هذا حتى زاد أبو جعفر أمير المؤمنين في المسجد في آخره..". ثم أن منارة باب الزيادة الموجودة اليوم هي منتهى دار الندوة وشيء مثبوت أيضاً، يقول أبو إسحاق الخزاعي (ص 344 - 345) طبعة أوروبا: "ثم أخرجت القمائم من دار الندوة وهدمت ثم أنشئت من أساسها فجعلت مسجداً. إلى أن يقول: وجعل لها منارة وخزانة في زاويتي مؤخرها". أضف إلى هذا أن باب الزيادة الموجود اليوم كان يسمى باب الندوة، ذكر ذلك الأزرقي (ص 329)، وعرفه أبو ظهيرة بباب سويقة، وقال عنه أنه في صدر زيادة دار الندوة، وله منفذان (1) (ص 347)، وكتب التاريخ الصحيحة كلها تقول بأن الزيادة التي أمام باب الزيادة هي من دار الندوة، ومن أراد الوقوف على ذلك فعليه مراجعة البخاري (ص 242) والعقد الثمين للفاسي (ص 90) من نسخ المكتبة الماجدية، والجامع اللطيف (ص 202) والقطبي (ص 96) والأزرقي (341 - 345) طبعة أوروبا ومرآة الحرمين لإبراهيم رفعت باشا (ص 338 ج 1).
وأما رواية القائلين اليوم بأن المقام الحنفي هو دار الندوة، فهي رواية لا تستند على شيء من الأدلة، والمؤرخون الذين قالوا بهذا القول لم يجزموا به، بل ساقوه في جمل تشكيكية، وصاحب الأرج المسكي يقول: "قيل إن دار الندوة محل الزيادة، وقيل محل المقام الحنفي"، أما قول صاحب الرحلة الحجازية فغير معتمد عليه لأن الرواية التي ذكرها لم يذكر مستنده فيها، وينتقض آخرها أولها حيث يقول: "وكانت دار الندوة عامرة بالحرم تجاه الكعبة من الجهة الشمالية الغربية، وكان ينزل بها الخلفاء والأمراء في حجهم في صدر الإسلام، ولكن أهمل أمرها في منتصف القرن الثالث الهجري وأخذ يتهدم بناؤها فكتب في ذلك إلى الخليفة المعتضد العباسي فأمر بها فهدمت سنة 281هـ، وجعلت مسجداً، وفيها قبلة إلى الكعبة، ثم جعلوا لها قبة عالية، ثم غيّر شكلها فيما بعد إلى شكل آخر، واستمر مقاماً يصلي فيه الإمام الحنفي، إلى أن أتى الأمير كلدي أمير جدة 947هـ فهدمها وبنى المقام مربعاً ذا طبقتين الأولى للإمام والمصلين والثانية للمؤذنين والمبلغين، وهو على هذا الشكل إلى الآن.." (ص 95). فأنت ترى في هذا أنها كانت منزلاً للخلفاء، وأنها هُدمت وجُعلت مسجداً، وهذا القول يوافق ما ذهبنا إليه، أما أن مكانها هو مكان المقام الحنفي فغير متصور، إذ لا يعقل أن يكون مثل المكان القائم الآن فيه المقام الحنفي منزلاً ينزله الخلفاء، ثم مربطاً لدواب عمَّال مكة، ثم مزبلة للقمائم ومتوضأ للحجاج، هذا أمر غير متصور، ولا يسلم به عقل سليم، وكون دار الندوة مرت عليها هذه الأدوار فذلك مثبوت، وقد نقلنا للقراء في القسم السابق وصف الخزاعي لهذه الأدوار، ألا أنه جعل على دار الندوة قبة فهذا لا أساس له في تاريخ دار الندوة في جميع أدوارها، وإنما الذي جعل عليها قبة، وتطاحن العلماء في خصوصه، وعقدت اجتماعات كبيرة من أجله وصدرت فتاوي مطولة بأسبابه هو المقام الحنفي الذي وهم فيه صاحبنا كما وهم غيره في ذلك، ولأجل إعطاء القراء صورة صحيحة عن هذا المقام فإني ذاكر تفصيل الحدث كما يلي.
مكة: ابن عبد المقصود
جريدة "صوت الحجاز" العدد: 158
الثلاثاء 25 صفر سنة 1354هـ
الموافق 28 مايو سنة 1935م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :613  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 27 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء العاشر - شهادات الضيوف والمحبين: 2007]

البهاء زهير

[شاعر حجازي: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج