الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

المياه بمكة في أدوارها التاريخية (11)

1- الجمعيات الخيرية:

لقد كان لأواخر القرن الثالث عشر للعيون بمكة، تاريخ فاصل بين عهدين يختلف كل منهما عن سابقه في المرامي والغايات، فبعد أن كانت الفوضى تكتنف أمر العيون، وبعد أن كان أمر إصلاحها والإشراف عليها في يد القدر وتحت حسنة المحسنين تبدل الحال غير الحال فدخلت في أواخر القرن الثالث عشر في عهد جديد من الواجب أن نقدر لأصحابه الجهود التي بذلت في أمر تحسين العيون، وإنها لجهود ومساعٍ تذكر فيشكر أصحابها. وليس معنى هذا غمط الذين قاموا بأمر إصلاح العيون في الزمن السابق حسناتهم، لا، بل إن ما تفضلوا به من إحسان، وما ضحوا به من أموال ابتغاء مرضاة الله قد حفظه لهم التاريخ ولولا خشية الإطالة، لأتيت على ذكره بالتفصيل.

أول جمعية خيرية:

في أواخر عام 1292 حصل خراب في العيون اجتمع علماء مكة وتباحثوا في الأمر فقرّ رأيهم على جمع الإعانات لإصلاح الخراب فاجتمعوا بأمير مكة وقتذاك الشريف عبد الله باشا وعرضوا عليه الأمر فوافقهم، وبدأوا في جمع الإعانات فوفقوا إلى جمع ما أمكنهم به إصلاح الخراب، ثم لاحظوا أن الأمر عظيم ويحتاج إلى مبالغ طائلة، ودب فيهم الوهن فتوقفوا عن العمل، فكانت هذه أول جمعية خيرية تطوعت لهذا العمل بدون رخصة رسمية، ولقد أغفل صاحب مرآة الحرمين خبر هذه الجمعية، وذكرها صاحب بغية الراغبين (ص 24).

جمعية وحدانة:

نسبة إلى المرحوم الحاج عبد الواحد الميمني الشهير بوحدانه، وهي أول جمعية خيرية استحصلت على رخصة رسمية للنظر في أمر العيون والإشراف عليها، وقد لاقى الحاج وحدانه صعوبات جمة في الاستحصال على رخصة العمل. قال أمير مكة الشريف حسين بن محمد بن عبد المعين ⁽¹⁾ لوحدانه: "حيث أن الحكومة (العثمانية) مرتبة سنوياً ألف جنيه عثماني لعين زبيدة فربما أنها لا تأذن لأحد بالمداخلة في هذا العمل، وأن الأمر يحتاج إلى فكر وتروٍ ومذاكرة مع الولاية" (ص 24 - 25 من بغية الراغبين).

وبعد مذكرات مع الوالي (ناشد باشا) وتمهيدات لها بالوساطة اتفق رأي أمير مكة والوالي على الاستئذان من الباب العالي ففعلا ورخص لهما في عام 1295هـ بالعمل على أن تكون اللجنة مؤلفة من الأشراف والأهالي والمجاورين، وبالفعل تألفت اللجنة على ذلك الشكل برئاسة عبد الرحمن سراج، وعهد للحاج وحدانة برئاسة العمل والتنظيم وأمانة الصندوق وسنت اللجنة لنفسها نظاماً صودق عليه من الحكومة، وكان من أهم مواده أن الجمعية خيرية محض، وأن العمل لا يكون إلا بعد قرار منها، وأن الحكومة لا تتداخل في أعمالهم بل تساعدهم أدبياً إذا اقتضى الأمر.

وهكذا فقد بدأت أعمال هذه الجمعية في جو من الحرية التامة، وافتتح أمير مكة الاكتتاب بسبعمائة وخمسين ريالاً مجيدياً وأعقبه الوالي بمايتين وخمسين ريالاً مجيدياً، ونشطت اللجنة للعمل، ونشرت النشرات بمختلف اللغات على الصحف السيارة وعمت الدعوة الأقطار الإسلامية فوردت مبالغ طائلة، وبدأوا العمل بجد عظيم فتقدموا نحو منابع عيون مكة، ونظفوا مجاريها وعملوا قنوات في بعض الأماكن، وفتحوا خرزات عديدة فتم في عهدها إصلاحات عظيمة جداً منها إدخالهم ماء عين عرفة إلى منى بواسطة آلة بخارية رافعة وضعوها في أعلا الطريق الموصل إلى المكان المعروف اليوم

بالمفجر ⁽²⁾ وقد نحتوا من أجل ذلك بعض الجبال، كما أنهم بنوا بداخل مكة أحد عشر بازانا بالأماكن الآتية: (1) شعب عامر ⁽³⁾ (2) سوق الليل ⁽⁴⁾ (3) القشاشية ⁽⁵⁾ (4) أجيـاد ⁽⁶⁾

(5 و 6) المسفلة ⁽⁷⁾ (7) حارة الباب ⁽⁸⁾ (8) الشبيكة ⁽⁹⁾ (9) الشامية ⁽¹⁰⁾ (10) سوق المعلا ⁽¹¹⁾ (11) جرول ⁽¹²⁾. وقد صادفوا صعوبات كثيرة في طريقهم لم يتمكنوا من إيصال الماء إلى جرول إلا بعد جهد وقطع التل الذي كان جاثماً في الطريق المعروف اليوم بريع الرسَّان. وبقيت اللجنة جادة في عملها إلى أن قضت عليها الفوضى. يقول صاحب بغية الراغبين "ومكثت اللجنة التي كان يرأس عملها المرحوم الحاج عبد الواحد الميمني تعمل بعزم وهمة ثلاث سنين، ثم حصل الضعف في عملهم شيئاً فشيئاً، والماء جارٍ بمكة أحسن جريان إلى أن يقول، واستمرت كذلك إلى أن حدثت أحداث طفيفة مخالفة لتعليمات اللجنة من أمين الصندوق ثم تدخلت الحكومة في أمر النقود الموجودة في صندوق عين زبيدة بتناول شيء من احتياجاتهم وصرفوه في بعض تغييرات لازمة لها إلى أن قال وكان ذلك سبباً لاستياء هيئة اللجنة حتى أوقفوا الأعمال ثم استعفى الرئيس وأكثر أعضاء اللجنة إلى أن يقول: وكان الموجود في الصندوق عند الأخذ منه نحو سبعة وخمسين ألف جنيه. وهكذا امتدت الأيدي الأثيمة إلى أموال تلك الجمعيات الخيرية فأكلتها وما أكلت في بطونها إلا النار ففي ذمة التاريخ العادل المنصف.

مكة: ابن عبد المقصود " أم القرى": العدد: 534

25 ذو القعدة سنة 1353هـ 1 مارس سنة 1935م

[1]

الشريف حسين بن محمد بن عبد المعين يعرف بالشهيد لقتله بيد أحد الأفغانيين في عام 1297هـ بجدة وإليه ينسب القصر الرائع في الجهة اليمنى للمسافر إلى جدة على رمية بندق من جرول، ويعرف اليوم بقصر الشهيد، وهو الآن خرب وآثاره لا تزال شاخصة.

[2]

المفجر على وزن المحجر يقع خلف جبل الصفايح، وينقسم إلى قسمين المفجر الصغير والمفجر الكبير، وهما قريبان من بعضهما، وسمي بالمفجر لكون السيول إذا أتت تفجر الأرض والمزارع التي هناك. وهذا المفجر غير المفجر الذي وقع فيه القتال بين خزاعة وقصي في الجاهلية من أجل ولاية البيت وذهب المؤرخون المتأخرون إلى أن المكان المعروف اليوم بالمفجر هو مكان حادثة الجاهلية وهذا ما لا نعتقده، ونستدل على ذلك بأن الحادثة حدثت حينما أراد القوم الإفاضة من منى، كما يفهم ذلك من رواية الأزرقي والطبري وابن الأثير وغير من المؤرخين، ومكان إفاضة أهل الجاهلية من منى جمرة العقبة. وقد ذكر السنجاري في صراحة تامة أن الواقعة حدثت على أثر رمي جمرة العقبة (ص 73) ويقول الأزرقي: "فأبت خزاعة أن تسلم ذلك (أي نزع الولاية منها) فاقتتلوا بمفضى مأزمي منى. "طبعة المطبعة الماجدية ص 59 ج 1" ومأزما منى هما الجبلان المتقابلان في المنعطف الضيّق الذي تدخل منه على منى عندما تقصدها من مكة، وعلى هذا فيكون مكان الحادثة لا يتجاوز جمرة العقبة للصاعد ومأزمي منى للمنحدر وكون الحادثة تقع في هذا المكان قريب للتصور جداً. لأنه من المحتمل القريب أن قنبلة الحرب تنفجر عند رمي جمرة العقبة إذ قضت العادات الجاهلية بأن صاحب ولاية البيت هو الذي يجيز الناس من منى وهو أول من يرمي جمرة العقبة ، وقد كان كلا الفريقين يرى أحقيته بالأمر، ولذا فقد كان التصادم هناك محقق الوقوع. ثم إن الحادثة لم تمكث أكثر من ساعة على رواية السنجاري فعلى هذا لا يتصور عقلاً أن ينتقل الفريقان من مكان إلى مكان وبالأخص فإن المفجر المعروف اليوم يبعد كثيراً عن جمرة العقبة كما أنه يفصل بين الموضعين جبل مرتفع صعب المسلك كما أن مفجر اليوم لا يقع في طريق الحج الجاهلي بصورة من الصور، فكل هذه الأشياء تجعلنا نجزم بأن الحادثة إنما وقعت حول جمرة العقبة ومأزمي منى وسبب تسمية أهل الجاهلية المكان لمكان الحادثة بالمفجر هو نظراً لما فجر فيه من الدماء في الأشهر الحرم ولما انتهك من حرمته لأنه من الحرم، وكان أهل الجاهلية يعظمون الحرم والأشهر الحرم.

[3]

نسبة إلى عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن عبد شمس وفيه يقول ابن الفارض:

وهل عامر من بعدنا شعب عامر

وهل هو يوم للمحبين جامع؟

وبعض المؤرخين يعرفونه بالمطابخ وفيه يقول الشاعر:

أطوف بالمطابخ كل يوم

مخافة أن يشردني حكيم

[4]

كان سوق الليل في صدر الإسلام يطلق على الشارع العام الذي أمام شعب الهواشم، ويسمى أيضاً شعب أبي يوسف، ويعرف الآن بشعب علي، وأما الآن قد أصبح اسم سوق الليل شاملاً لسوق الليل القديم ولشعب أبي يوسف أيضاً.

[5]

"القشاشية ورد ذكرها عرضاً في الأرج المسكي (ص 43) كما أنه ورد لفظة مكان القشاشين في الأرج المسكي" (ص 45) وقصد به المكان الواقع بين الميلين في المسعى، والقشاشون هم بائعو الحرير، والمظنون أن اسم القشاشية مأخوذ من القشاشين.

[6]

قسم المؤرخون أجياد إلى قسمين فقالوا أجياد الكبير، وأجياد الصغير، ويقصدون بأجياد الصغير المكان المعروف اليوم بالسد وهو يبدأ من أوائل باب أجياد ويسير منعطفاً نحو الشمال الشرقي وينتهي بخطم الخندمة الفاصل بين أجياد وشعب أبي يوسف، وأجياد الكبير يبدأ بعد أوائل أجياد بقليل "من إدارة الصحة تقريباً" ويسير في خط مستقيم نحو الجنوب الشرقي ثم ينعطف نحو الشمال الشرقي حتى يلتقي أجياد الصغير. ولا أعرف بالتأكيد المكان الذي يفصل بينهما ولم أعثر على شيء استدل منه ولو بعض الدلالة. وقد جاء ذكر أجياد في شعر الأعشى بن ميمون بن قيس إذ يقول:

فما أنت من أهل الحجون ولا الصفا

ولا لك حق الشرب من ماء زمزم

ولا جعل الرحمن بيتك في العلا

بأجياد غربي الصفا والمحرم

[7]

يقصد بالمسفلة اليوم محلة معروفة بحدود معروفة. أما في القديم فقد كان يقصد بها أسفل مكة على الإطلاق وقد قسم الأزرقي مكة إلى قسمين الأول المعلاة وهي تبدأ من شعب أبي دب (يزعم بعض الخرافيين أن السيدة آمنة بنت وهب والدة رسول اللهصلى الله عليه وسلم مدفونة فيه، وهذا افتراء) وينتهي إلى أوائل الصفا، والثاني يبدأ من الصفا إلى ماجل المسفلة "بركة ماجد" بما في ذلك الشبيكة. وقد عملت جمعية وحدانة بالمسفلة بازانين جعلت لأحدها فوهات وهو موجود اليوم في الشارع المتوسط من شوارع المسفلة، والثاني بالقرب من مولد أبي بكر الصديق، وكان منقسماً إلى شطرين شطر منه أقيمت فيه أنابيب "بزابيز" والشطر الثاني مواضئ متعددة، وكلا الشطرين أزيلا ووضعت جمعية صالح قطب بمكانهما في عام 1348 بازاناً عظيماً له عدة فوهات وأنابيب عملت له خزاناً كبيراً استفيد منه كثيراً.

[8]

لم أعثر على هذا الاسم فيما اطلعت عليه من تواريخ مكة وهو حديث بلا شك ويحتمل أن يكون نسبة لباب سور مكة.

[9]

الشبيكة منتهى مكة في التخطيط القديم وفي ريع الرسان، كان سور مكة، وكان له بابان بعقدين يقول القطبي: ".. وكان هذا السور فيه بابان بعقدين أدركنا أحد العقدين يدخل منه جمال الأحمال ثم عدم شيئاً فشيئاً ، إلى أن لم يبق منه شيء الآن (ص 7). وذهب بعض المؤرخين إلى أن الشيخ محمود وبئر طوى من الشبيكة، وذهب محمد بن موسى إلى أكثر من هذا فجعل ما بين مكة و الزاهر "الشهداء" من الشبيكة.

[10]

الشامية اسم حديث وأميل إلى أنه نسبة إلى الشوام بائعي الأقمشة في سويقة واسم سويقة قديم جداً ذكره في تاريخ الأزرقي "ص 460 طبعة أوروبا". وابن الفارض أطلق على الشامية (المربع) ووافقه الحضراوي في تاريخه. يقول ابن الفارض:

لو ندري فيم عذلتني لعذرتني

خفض عليك وخلني وبلائي

فلنازلي سرح "المربع"فالشبيـ

ـكة فالثنية من شعاب كداء

[11]

كان يقصد بالمعلاة في الزمن القديم أعلا مكة، وتقدم خبرها في قسم المسفلة، أما اليوم فيقصد منها سوق معينة وهي سوق تبدأ من مسجد الراية "وقبل مسجد الراية بقليل كان سور أعلا مكة وأميل إلى أنه كان موازياً للكمالية وقد عفيت آثاره في القرن العاشر "وينتهي بالجودرية أما أهل البادية فيعدون الجودرية من المعلاة، وتسميتها بالجودرية نسبة إلى عمل الجوادر "اللحف" لأن صانعوها هناك.

[12]

جاء ذكر جرول عرضاً في تاريخ السنجاري (ص 596) ومنه يفهم أن هذا الاسم كان متداولاً في القرن الحادي عشر، أما مخططو مكة في القديم فلم يذكروا جرول بل عدوه من الشبيكة.