المياه بمكة في أدوارها التاريـخية (2) |
إجراء العيون بمكة: |
وقد بقي سكان الحرم يشربون من زمزم ومن الآبار التي حفرت بعد بئر العجول إلى زمن معاوية بن أبي سفيان، إذ أجمع المؤرخون على أن أول من اعتنى بجر مياه عيون إلى مكة هو معاوية بن أبي سفيان، زمن خلافته، وقد ذكر صاحب إفادة الأنام –لبعض الأفاضل المكيين– نقلاً عن الأزرقي ما ملخصه "أن معاوية أجرى في الحرم عشر عيون واتخذ لها خيافا، فكانت حوائط وهي: |
(1) حائط الحمام (2) حائط عوف (3) وحائط الصفا (4) وحائط مورش: نسبة إلى رجل كان قائماً عليه. (5) وحائط خرمان (6) وحائط حراء (7) وحائط ابن طارق (8) وحائط فخ (9) وحائط بلدح (10) وحائط مقيصرة". |
وقد أصبحت هذه الأماكن غير معروفة الآن، ولم أعثر على شيء استدل به ولو بعض الدلالة، وأورد صاحب الإصابة أن عبد الله بن عامر بن كريز حج وجمع العيون وصرفها في عين واحدة، وذكر أنه أول من اتخذ أحياض بعرفة وأجرى إليها الماء. |
وذكر صاحب بغية الراغبين ما نصه: "أنه في آخر زمن بني أمية انقطع الماء من مكة فصاروا يجلبون الماء إلى مكة من الخارج حتى بلغت قيمة البدرة الصغيرة عشرة دراهم أو أكثر". والعشرة الدراهم توازي ربع جنيه إنجليزي، وذكر صاحب مرآة الحرمين إبراهيم رفعت باشا: أن ذلك الانقطاع كان في عام 132هـ، وأن الناس رجعوا إلى مياه الآبار كما بدأوا، وأنهم استمروا على ذلك إلى خلافة هارون الرشيد سنة 170-193هـ، فأمر بإصلاح ما تخرب من العيون ولكن لم تلبث حتى قطعت فأصاب الناس من جراء ذلك شدة. |
عين حنين أو عين زبيدة: |
شاع إطلاق عين زبيدة على عين نعمان، و هذا نسبة لكون عين نعمان من صنع السيدة زبيدة
(1)
أم جعفر زوجة هارون الرشيد، والحقيقة أن السيدة زبيدة أجرت عين نعمان إلى البئر المسمى قديماً ببئر زبيدة، وحديثاً ببئر الجن، وتقع هذه البئر بالقرب من المفجر الصغير الكائن خلف الجبال الجنوبية من منى، وعين زبيدة الحقيقية والتي أوصلتها إلى مكة هي عين حنين، وعين حنين تعرف اليوم بعين الزعفرانة التي هي في الأصل بركة صنعت لتقوية عين حنين، فقوي ماؤها، وتغلب اسمها على اسم عين حنين، أو الأصح عين زبيدة الأساسية. |
وعين حنين، أو عين زبيدة تنبع من جبل شاهق يقال له: "طاد" ويقع بين جبال سود عاليات تسمى جبال ثقبة، وتقع في طريق الطائف من مكة، وكان هذا النبع يسقي نخلاً ومزارع في أرض حنين، وهذا سبب نسبتها لحنين. |
اشترت السيدة زبيدة تلك المواضع، وأجرت الماء في قنوات إلى مكة، وأضافت إليها البرك التي صنعت لتتجمع فيها أمطار بعض الجبال، وقد تحولت تلك البرك بعد التعمير والتحسين إلى عيون، فأطلق على كل بركة منها (عين)، والسبع العيون، أو السبع البرك هي: مشاش، وميمونة، والزعفران، والبرود، والطرفي، وثقبة، والخريبان، وتصب مياهها جميعاً في مجرى عين حنين التي هي عين زبيدة الحقيقية. |
وقد جاء في تاريخ مكة المسمى بـ (الإعلام بأعلام بيت الله الحرام) للقطبي: أن السيدة زبيدة أنفقت على عملها ألف وسبعمائة ألف مثقال من الذهب أي (1.700.000)، ونميل إلى أن هذا المبلغ لم ينفق على عين حنين وحدها بل وعلى عين عرفات أيضاً، لأنه لم يذكر أحد من المؤرخين ما أنفق على عين عرفات. |
وكل المؤرخين الذين ذكروا هذا الخبر كانوا يسوقون خبر عين حنين، ثم ذكر المبلغ، ثم خبر عين نعمان ما يوهم أن هذا المبلغ صرف على عين حنين وحدها، وقد انفرد صاحب (مرآة الحرمين)، إبراهيم رفعت باشا –فيما أعلم– بأن ذكر المبلغ بعد أن ساق خبر عين حنين، وعين نعمان فقال: وقد أنفقت زبيدة على ذلك العمل 1.700.000 ديناراً أو مثقالاً من الذهب، ثم قال: "ويروى أنه لما تم عملها اجتمع المباشرون والعمال، وكانت زبيدة ساعة ذلك في قصر عالٍ مطل على الدجلة، فأمرت بالدفاتر يلقى بها في الدجلة وقالت: تركنا الحساب ليوم الحساب، فمن بقي عنده شيء من بقية المال فهو له، ومن بقي له عندنا شيء أعطيناه، وألبستهم الخلع الثمينة" أهـ. |
وهذه العبارة نقلها أكثر من ذكروا خبر إجراء عين حنين، وعين نعمان، إلا أنهم ذكروها بعد الانتهاء من خبر إجراء عين حنين، ونعتقد أن ما ذهب إليه صاحب (مرآة الحرمين) هو الصحيح. |
والغريب أنه بالرغم من اعتناء أكثر المؤرخين بهذا الإنشاء فإنهم قد أهملوا ذكر التاريخ الذي تم فيه هذا العمل الخيري، وبالرغم من البحث الدقيق الذي قمت به لم أعثر على شيء جازم. غير أني رأيت في الأزرقي، أن أم جعفر عملت بركة في المعلا سنة 194هـ. وأجرت لها عيناً من الحرم، وهذه العين بلا شك غير عين حنين، لأن عين حنين من الحل، وعلى هذا يكون مشروع السيدة زبيدة العظيم لم يبدأ به إلا بعد عام 194هـ. وقد جاء في (الارتسامات اللطاف) للأمير شكيب أرسلان (ص39) ما يفيد أن عمل البركة كان قبل مشروع جر المياه من الحل. أمَّا العين التي أجرتها من الحرم وموقعها فلم أقف على شيء من ذلك، ولربما تكون إحدى عيون معاوية. |
"للبحث صلة" |
|
|
جريدة (أم القرى): العدد: 518 |
|
|
الجمعة 9 شعبان سنة 1353هـ |
|
|
الموافق 16 نوفمبر سنة 1934م |
|
|