شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المياه بمكة في أدوارها التاريـخية (1)
تمهيد:
اعتنى مؤرخو الحجاز عناية كبيرة بذكر الأماكن الأثرية في الحجاز وفضلها، وما كان يعتريها من تخريب وتعمير، فقل أن تجد مؤلفاً عن تاريخ الحجاز إلا وتجده قد ملئ بذكر ذلك في سعة وبسطة.
وبقدر ما اعتنى مؤرخونا بذكر أمثال ذلك أغفلوا تاريخ الحياة الاجتماعية، والأدبية والاقتصادية، وقل أن تجد عرضاً في بحث ما شيئاً عن ذلك، وأنه لفراغ واسع أظن من الصعب ملؤه، لأن مريدي إثبات ذلك لا يجدون أسانيد قوية يستندون عليها في بحثهم، وكلُّ ما يستطيعون أن يتوصلوا إليه، استنتاجات ضعيفة، واستنباطات أضعف. وجهود فرد يعمل مستقلاً نعتقد أنها لا تنجح.
قلت اعتنى مؤرخو الحجاز بذكر الأماكن الأثرية عناية كبرى، وقد كانت عنايتهم بذكر المياه لا بأس بها؛ إلا أنها كانت مشوشة ومضطربة، والغريب أن اعتناءهم بمدح للتبرع بإجراء عين ماء أو إصلاح خراب أكثر من اعتنائهم بوصف الحادث، وإعطاء تفاصيل وافية تشفي الغليل.
زمزم أول ماء بمكة
قبل نزول السيدة هاجر مكة، كانت مكة غير مسكونة، والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى فقدان المياه منها، وأول من سكن مكة كما عرفه التاريخ هي السيدة هاجر، وأول ماء ظهر في مكة كما عرفه التاريخ ماء زمزم، وقصة زمزم مشهورة، ولما حدثت حادثة بئر زمزم، واستدلت جرهم على وجود الماء بطيور رأتها عن بعد تحوم حول زمزم، استغربت ذلك لأنها تعلم أن مكة لا ماء فيها ولا نبع. أتت تستطلع الخبر، وبعد حديث طويل سكنت جرهم مكة باتفاق مع السيدة هاجر صاحبة الحق الأصلي في زمزم، ومن ذلك التاريخ أهلت مكة بالسكان، ولكن لا سقيا لهم غير زمزم، وحياض ومصانع على رؤوس الجبال، وبعض آبار خارج الحرم.
بئر العجول أول الآبار بمكة:
واستمر الحال كذلك حتى زمن قصي بن كلاب إذ حفر بئر العجول وفيها يقول الشاعر:
نروي على العجول ثم ننطلق
قبل صدور الحاج من كل أفق
إن قصيًّا قد وفَّى وقد صدق
بالشيع للناس وري مغتبق (1)
وبئر العجول هذه كانت على باب رواق أم هانئ، وهو يقع ما بين أم هانئ الواقع أمام باب سراي الحكومة (الحميدية) وباب الحزورة المعروف اليوم بباب الوداع، وقد ذكر السنجاري في تاريخه أن محمد المهدي هدمها وأدخلها في المسجد الحرام، وذلك في الزيادة الثانية، وعمل بدلها بئر البقالية، ونبَّه صاحب الأرج المسكي والتاريخ المكي على ذلك بقوله: "وبئر العجول بباب رواق أم هانئ دفنها المهدي العباسي وجعل بدلها البئر التي عند باب الحزورة الكائنة في زماننا (2) بالشرشورة" ا.هـ. أقول بئر البقالية هذه التي بناها المهدي هي البئر التي في غرفة القناديل قديماً، وحديثاً غرفة إشعال المصابيح الكهربائية (3) (الأتاريك)، وهي على يمين الداخل إلى المسجد من باب الوداع، والشرشورة التي ذكرها صاحب الأرج تقع خلف المدرسة المعروفة اليوم بمدرسة أم هانئ المطلة على المسجد، وقد أُخذ قسم منها بني عليه، وغرفة القناديل السابقة هي القسم الأخير من الشرشورة، والبئر لا تزال حتى اليوم موجودة وفيها أوساخ كثيرة.
الآبار بمكة:
وقد حفرت بعد بئر العجول آبار كثيرة ذكرها مؤرخو الحجاز، ولكن هذه الآبار دفن أكثرها وأصبح من المتعذر معرفتها إلا النزر اليسير، منها بئر برباط السدرة حفرها هاشم بن عبد مناف، وقيل قصي، وقد نبه صاحب إفادة الأنام أن رباط السدرة كان من باب السلام إلى باب النبي، وقال القرشي: كانت هذه البئر شارعة على المسعى، ومنها بئر سجلة حفرها جبير بن مطعم؛ قال إنها دخلت في المسجد، وذكر في مكان آخر أنه يسعى عليها، وذكر صاحب الأرج أنها عند الدرويشية المعروفة بالخاسكية، ومنها بئر بذر في خطم الخندمة حفرها هاشم بن عبد مناف، وقد قال حين حفرها لأجعلنها بلاغاً للناس، وقال الأزرقي إنها في خطم الخندمة على فم شعب أبي طالب. وعلى هذا القياس تكون هي البئر المعروفة اليوم ببئر الحمام بأجياد وهي تحت خطم الخندمة الفاصلة اليوم بين سوق الليل وأجياد. ومنها بئر مرمر في ناحية بني سهم، وبنو سهم كانوا ينزلون في جهات باب العمرة، ولذلك يطلق على باب العمرة باب بني سهم، وقد ذكر الأزرقي أن هذه البئر دخلت في المسجد في عمارة أبي جعفر، ومنها بئر أبي موسى الأشعري بالمعلاة، ذكر الأزرقي أنها على فم شعب أبي دب، وشعب أبي دب هو المكان الذي ينسب بعض الخرافيين أن السيدة آمنة بنت وهب مدفونة فيه، وهذه خرافة لا أصل لها في التاريخ الصحيح، والبئر المذكورة موجودة حتى يومنا هذا. ومنها بئر ميمون بن الحضرمي، وقول صاحب العقد الثمين أنها هي البئر التي بسبيل الست، وهذا السبيل معروف بطريق منى، ويقول الأزرقي إنها آخر بئر حفرت في الجاهلية، ومنها بئر الجماجم، وهي في حوطة النسفي، وحوطة النسفي بالمعلاة بجوار مسجد الراية، وقد دفنت عن قريب، ومنها بئر جبير بن مطعم، وهي التي في الكمالية، حفرها قصي ثم دثرت فحفرها جبير بن مطعم فسميت باسمه. أما الآبار في الوقت الحاضر فكثيرة وعسى أن تتاح لنا الفرص فنحصيها.
"للبحث صلة"
مكة: ابن عبد المقصود
جريدة (أم القرى): العدد: 517
2 شعبان سنة 1353هـ
الموافق 9 نوفمبر سنة 1934م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1347  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.