الأدب الحجازي في النصف الأول |
من القرن الرابع عشر الهجري |
عرض الأديب الشهير الأستاذ عبد الله عبد الجبار –بإيجاز مفيد– حالة الأدب في الحجاز ما بين عام 1334هـ وعام 1344هـ، ورسم بداية هذه الفترة على النحو التالي: |
حال الأدب في العصر التركي: "سقم في المعنى وركاكة في الأسلوب، وتنافس على اللعب بالألفاظ، ومحسنات بديعية سخيفة كالتورية والجناس والترصيع، لا يحسبون الشعر بغيرها شعراً. ثم هذه الألوان المختلفة من العبث يسمونها: التشطير والتخميس والتشجير، بالإضافة إلى المديح السخيف والغزل البارد الميت الذي لا روح فيه ولا حياة. |
هذه هي صورة الأدب في العهد العثماني في الحجاز وغير الحجاز: نتاج تافه "ليس له مبرر سوى ذلك العقم الذي منيت به الأفكار في تلك الحقبة المشؤومة، وإلا فأي إنتاج ينتجه أولئك الذين يتناولون بيتين أو أكثر من الشعر بالتشطير والتخميس، فيعمدون إلى تمطيط معناها وتفكيك أواصرها وحشوها بما يناسب وما لا يناسب من الألفاظ المترادفة والتراكيب المرصوفة"
(1)
. |
أما "النثر: فإن حالته لا تقل سوءاً عن الشعر من حيث الأسلوب والصياغة التعبيرية، وقد وصفه الأستاذ عبد الله عبد الجبار بأنه كان (متقهقراً يجري على سنن الكتاب في عصور الانحطاط، فكانت الركاكة هي السمة الغالبة على الأسلوب، وكانت الصنعة البديعية التي استحكمت حلقاتها تزيده سوءاً على سوء)
(2)
". |
ثم يعرض نماذج لتلك الأساليب المتداولة، التي كانت تعتمد في صياغتها على الأسلوب القديم في الكتابة. |
ويذكر أنموذجاً للنثر الصحفي في ذلك العهد نقله عن العدد الخامس من جريدة (شمس الحقيقة) الصادر يوم الثلاثاء غرة ربيع الأول عام 1327هـ، بعنوان (تنبيه) جاء في مكان الافتتاحية وفيه يقول الكاتب: |
(ينبغي لمن يشاء أن يكاتبنا في موضوع أن ينبذ وراءه المصلحة الذاتية، فإن الأفكار الراقية التي لا تعميها الأغراض الشخصية ولا الأطماع الذاتية، تنظر بنور الله إلى مصلحة الوطن العمومية. ألا ترى سيدنا موسى الكليم عليه السلام قال: "أخرقتها لتغرق أهلها" ولم يقل لتغرقني. نظر في ذلك لغيره وقدمه على شخصه في وقت الغرق الذي لا يعرف الإنسان فيه إلا نفسه، فليخش الله الكاتبون، وليتق الله المحررون، ولا يحرروا لجريدتنا سوى الحقيقة لأنها (شمس الحقيقة) ثم ليكتبوا في دائرة واجهات الصحافة الحرة التي ذكرناه سابقاً، لأن جريدتنا تتنزه عن المثالية وما ضاهاها. نسأل الله حسن التوفيق لسعادة الوطن). |
ويظهر لنا من هذا الأسلوب مدى ما وصلت إليه الكتابة –في ذلك العهد– من عقم في المفردات اللغوية والتراكيب الإنشائية. |
غير أن تلك الفترة لم تخل من بعض المجيدين في الكتابة النثرية لكنهم نادرون، ويذكر صاحب التيارات الأدبية أديباً من تلك الندرة هو الشيخ "جعفر لبني" الذي وصفه بالفطنة والرصانة، وبأنه كان أديباً ومؤلفاً بارعاً وصاحب ذوق وأدب، ومن الشعراء (لمعت أضواء قليلة يمكن أن نعتبرها إرهاصات سبقت مولد الأدب الحجازي الحديث) وعدَّد منهم: إبراهيم الإسكوبي، وعبد المحسن الصحاف. |
ويرى الأستاذ عبد الله عبد الجبار أن أدباء الرعيل الأول في الحجاز الحديث "تبلورت أسس ثقافتهم ومواهبهم الأدبية في عهد الحسين على الرغم من قصر مدة الحسين"
(3)
. |
كما وجد الباحث عبد الرحيم أبو بكر بأنها كانت (مرحلة اختبار وتوثب واستعداد آتت أكلها في مطالع العهد السعودي الحاضر الزاهر، حيث أخذ الشعراء والكتّاب ينتجون نثراً وشعراً يشكلان في مجموعهما وليداً واعياً يستحق أن يطلق عليه (أدب الحجاز)
(4)
. |
|