شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أدب المسايرة
حكى عبد العزيز بن الفضل، قال: خرج القاضي أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج، وأبو بكر محمد بن داود الظاهري وأبو عبد الله نفطويه إلى وليمة دعوا لها، فأفضى بهم الطريق إلى مكان ضيق، فأراد كل واحد منهم صاحبه أن يتقدم عليه، فقال ابن سريج: ضيق الطريق يورث سوء الأدب وقال ابن داود: ولكنه يعرف مقادير الرجال، فقال نفطويه: إذا استحكمت المودة بطلت التكاليف..
ألا ما أنبل هذه الأخلاق، وما أكرم هذه الشمائل فيها يتمكن الود في القلوب ويتميز العاقل من السخيف، وما كان أغنى الناس عما استحدثه المتأخرون من تقاليد وفدت إلى العرب من الأعاجم التي يتأله فيها أصحاب الجاه أو الثراء.. ويكسبون بتعاظمهم ما يزيد البغض لهم والنقمة عليهم والنفرة منهم، وما كان لأي نظام وضعي أن يقوم مقام السجية ووقوف كل امرئ عند حده ـ كما في هذه القصة ـ لولا من ذوي الإحساس (بمركب النقص) من تجاهل بأقدار ذوي الفضل، وما رأيت عظيماً قط يتهافت على التقدم حتى على من دونه.. وإنما هو المقدم حيث قام أو جلس وتنفرج أمامه السبل وتخلى الطرق.. وتنفسح صدور المحافل فلا تكون صدورها إلا بمكانة منها وهذا بالطبع فيما عدى ما اصطلح عليه (الدبلوماسيون) من (البروتوكول) و (الإتيكيت) وما أعرف لهما من معنى إلا قواعد اللقاء والاستقبال وما إليهما من تشييع وتوديع.
واستطرد بذلك ما قيل من أن (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه مر عشية بطريق كان الصبية يلعبون فيه ففروا حينما أقبل عليهم ـ إلا (عبد الله بن الزبير) فقال الفاروق: لِمَ لم تفر كالآخرين؟ قال: لماذا؟ فما أنا بمذنب فأخافك، ولا الطريق بضيق فافسحه لك.. كان هذا من طفل غرير لم يبلغ أشده بعد.. ولمن؟ لابن الخطاب وفي يده درته.. فما أنكر ذلك عليه ولا رأى فيه سوء أدب، ولا استكرهه منه، وربما أعجب به لذكائه وحسن بديهته وقوة حجته.. رضي الله عنهم وطيب ثراهم، ورزقنا الأدب في جوار بيته العتيق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :404  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 970 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج