شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حرف - بثمانين ألف
عن محمد بن ناصح الأهوازي قال: حدثني النضر بن شميل قال: كنت أدخل على المأمون في سمره فدخلت ذات ليلة وعلى مرقع، فقال لي: يا نضر، ما هذا التقشف حتى تدخل على أمير المؤمنين في هذه الخلقان؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أنا شيخ ضعيف، وحر مرو شديد، فأتبرد بهذه الخلقات، فقال: لا ولكنك قشف، ثم أجرينا الحديث فاجرى هو ذكر النساء فقال: حدثنا هشيم عن مجاهد عن الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سَداد من عوزه فأورده بفتح السين، قال: فقلت: صدق يا أمير المؤمنين، حدثنا عوف بن أبي جميلة عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها فيه سِداد من عوز فأوردته بالكسر، قال فكان المأمون متكئاً فاستوى جالساً.. وقال: يا نضر كيف قلت سداد؟ قلت: لأن السداد ها هنا لحن.. قال: أو تلحنني.. قلت: إنما لحن هشيم وكان لحانه.. وتبع أمير المؤمنين لفظ، قال: فما الفرق بينهما؟ قلت: السَداد بالفتح القصد في الدين والسبيل، والسِداد بالكسر البلغة، وكل ما أسددت به شيئاً فهو سداد، قال: أو تعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين هذا العرجي يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر
فقال المأمون: قبح الله من لا أدب له، وأطرق ملياً، ثم قال: يا نضر ما ملك؟ قلت: أريضه بمرو أتفيأ بها وأثمرها قال: أفلا نفيدك مالاً؟ قلت: إني إلى ذلك محتاج، قال فأخذ القرطاس وأنا لا أدري ماذا يكتب؟ ثم قال: كيف تقول إذا أمرت أن تترب؟ قلت طين قال: فهو ماذا؟ قلت فهو (مطين).. قال: فهذه أحسن من الأولى، ثم قال: يا غلام أتربه وطينه، ثم صلى بنا العشاء، وقال لخادمه تبلغ معه إلى الفضل بن سهل الوزير.. قال: فلما قرأ الفضل الكتاب قال: يا نضر إن أمير المؤمنين قد أمر لك بخمسين ألف درهم فما كان السبب..فأخبرته ولم أكذبه، فقال: لحنت أمير المؤمنين فقلت: "إنما لحن هشيم وكان لحانه فتبع أمير المؤمنين لفظه وقد تبع ألفاظ الفقهاء ورواة الآثار. ثم أمر لي الفضل أيضاً بثلاثين ألف درهم، فأخذت ثمانين ألف درهم بحرف استفيد مني).
وعلى ما في هذه القصة من طول وتكرار، فقد دلت على أن الخلفاء كانوا يزينون مجالسهم بالعلماء والأدباء.. ويستمعون إليهم في مختلف الفنون والطرف والتحف، ويأخذون عنهم ولا يأنفون.. ويهبونهم من الجوائز والصلات ما لا يكاد يصدق الخيال.. وأن الوزراء من ورائهم يتقفون خطاهم ويسيرون على طريقتهم.. وانظر رعاك الله أيها القارئ القديم ممن أدرك عهد المتربة، الزرقاء والخضراء أو التي كانت تمزج بالتبر لدى المترفين من الأمراء وكبار أهل المناصب والتجار كيف أنها كانت تستعمل من القرن الثاني الهجري ثم قضى عليها هذا (المداد الجديد) و(النشاف الشفاط)..
أما الطين و(المطين) - فما كان يستعمله في المتأخرين إلا (المتربون) لا المترفون من فقراء الكتّاب، ومن يعانون الحساب في الأسواق، ورعى الله (أقلام البوص) و(شوش الذرة الحبشي) التي كانت تمزج بسرقة (الفحم الأسود) فتكتب بها ومنها ألواح المكاتب أو (الكتاتيب) ويسهل محوها في (الألواح) بالمضر الأبيض، وتزركش في القراطيس بالتراب الأزرق.. أو الأحمر.. وناهيك بما أثمرت طوال القرون من علم لا يحصر.. وسبحان من له الدوام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :299  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 962 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج