شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بلوى الشعر:
حكى الأستاذ (جودت) في باب (رأيت، وقرأت، وسمعت) في عدد (المصور) الأخير في 16 صفر سنة 1376 القصة العالمية، بعنوان (لوثه) قال: إنه سمع من المرحوم الشاعر الكبير (علي الجارم) إنه كان رحمه الله يحب أن يختلي بنفسه كل يوم بضع ساعات ينظم فيها الشعر، فكان يدخل غرفة مكتبه، ويظل (يزرم) ويتمتم ويبتسم أو يعبس أو يتأثر، وتفتح زوجته الباب فتراه على هذه الحال فتخشى أن تكون قد أصابته لوثه، فتقول: ربنا يتوب عليك من البلوة دي اللي اسمها الشعر.
أقول: لا شك أن زوجة المرحوم كانت على حق فيما قالت.. بأن الشاعر يكاد ينسى نفسه وطعامه وشرابه.. حينما تملكه فكرة، ويسبح في أجوائه، ويحلق في سمائه ولا يملك أن يحتمل حوله ضجة أو إشارة.
وكأنما هو خلالها في معزل عمن حوله وما يحيط به، هذا إذا استطاع أن يصم أذنيه عن كل سانح وبارح؟ (وأذكر مرة أنني كنت أجمع الشوارد لمناسبة هامة في إحدى ليالي رمضان، وذلك قبل ربع قرن تقريباً.. وأقلقني البعوض جداً فدخلت (الكلة، أو الناموسية) وقربت (الاتريك) بعد السحور مباشرة.. واستغرقت فيما كنت أعانيه من التفكير والتسطير.. والتحبير والتحرير..
ونام الناس والأهل والخدم - وما أن فرغت من مهمتي حتى عدت إلى واقعي.. وزمني وأرضي.. وعجلت إلى النافذة أفتحها لأتنسم منها الهواء النقي.. فإذا بالشمس تبلغ من الغرفة وسطها.. وإذا بالساعة تتجاوز الرابعة نهاراً وحمدت الله إنني استيقظت في الوقت المناسب.. فلم أتناول ما يفطر.
واستعذت بالله من هذه الرحلة التي نفذت من العمر.. وكان عزائي أن ما فرغت منه كان صادراً عن مؤثرات دينية وعن نية حسنة وإخلاص عميق.. وما أن أخذت أتلوه حتى نشجب بالبكاء.. وتأثرت به تأثراً بالغاً، فرجوت أن يكون عملاً متقبلاً لأنه لم يخرج عن الدعوة إلى الله والتذكير بآياته.. (وإنما الأعمال بالنيات) وأحسب أن الشاعر لا يستطيع أن يصادم اتجاهه إذا ما تغلب عليه.. وأنه طوع شعوره القاهر.. ووعيه القاسر.. وتلك هي (بلوى الشعر) على رأى (الست المصون).. و (الشجون فنون) أما (الزوم) و(الروم) والزمزمة والهمهمة فما أعهدها قط والحمد لله اللهم إلا أن تكون خاصة بالكهان ومن طبائع الشعراء المغلقين وكل ما أعرفه الصمت والاستجمام التام، ونسيان كل ما لا يمت إلى موضوعي بسبب، والويل لمشاغب يصرخ، أو طفل يعبث، أو كتاب يختبئ والعادة محكمة؟ وكل ميسر لما خلق له.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :654  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 808 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.