مكامن الثروة وصلاح التربة في البلاد (3)
(1)
|
وإنما رجل الدنيا وواحدها |
من لا يعول في الدنيا على أحد |
|
الحبوب والغراس: |
كل من قدر له أن ينتقل في أراضي وجبال الحجاز شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وشاهد بأم عينيه المساحات الكبرى التي كانت ولا تزال حتى الآن مباذر لأنواع الحبوب والحنطة والشعير والدخن، ومغارس الكروم وشجر اللوز والتين وغيرها تأخذه الدهشة ويتملكه العجب من إرسال القول جزافاً أن هذه البلاد بلاد جافة مجدبة مصحرة غير منتجة، فلم يزل واردها على قلته وعدم كفايته متتابعاً في أسواق الحواضر منذ سنين.. ولست أدري إن كانت قد تطورت خلال العهود المتأخرة، فزاد ثمرها واتسع نطاقها أم كانت قبل اليوم أكثر وأفر مما هي عليه الآن.. |
ذلك ما تجهله لعدم الإشارة إليه في التاريخ الحديث.. ويغلب على الظن أنها كانت ذات غلال عظيمة تمون البلاد في الأزمان الخالية يوم كان السكان الأصليون لا يعولون في معاشهم الضروري على ما تحمله السفن البحرية.. ولعمري أن التربة التي نمت فيها هذه الأصناف من الفواكه والحبوب والبقول والعقاقير والورود والأزهار لهي التبر بعينه لو استصلحها أهلها وسهرت عليها الأعين ومدتها السواعد بالعمل والتحسين والتكميل.. |
وما من حجة يستطيع أن يتمسك بها أولئك الذين يجحدون هذا الخير الكبير الذي تجود به بلادنا المحبوبة بعد أن قام عليها البرهان الساطع بالوارد المحلي الذي لم ينقطع حتى الساعة.. |
وإن كانت ظاهرة العجز والضعف والوهن بادية في الكميات الضئيلة التي توسق بها الأحمال ميممة شطر المدن للمقايضة والمبادلة.. والباحث في أسباب هذه الظاهرة لا يتجشم كبير تعب للوقوف عليها لأول نظرة فهي إذا شئت أن تلخصها لا تتجاوز: |
1- أنها نشأت من اضطراب حبل الأمن في البوادي حينما كانت تعصف بها الزعازع القبلية والجاهلية وقد زال ذلك والحمد لله على نعمة الأمن الضافية. |
2- التعويل في الري ووسائله على الطريقة القديمة التي أصبحت نفقاتها لا يكاد يوفيها محصول الإنتاج ومع إضافة مشقة النقل ومصاريفه وانعدام الوسائط السريعة. |
3- عدم الاهتمام من رجال المال والفكر بهذا المورد الحيوي العظيم وتركه تحت تأثيرات الصدف والموافقات وتصرف الجهلة والذين لا يجدون ما ينفقون. |
4- خلو البلاد من رجال الفن الذين يستطيعون أن يوجهوا جهود العامل المجد إلى ما في نماء الزراعة وصلاحها ونضوجها، ويطبقون عليها أحد ما وصل إليه الفن بعد الاختبار الطويل والتجارب المديدة. |
5- عدم وجود مرجع زراعي عام يشجع أرباب الزراعة ويعضدهم ويرشدهم، ويكون من واجبه السعي الحثيث لضم شتاتهم وتوفير غلاتهم ومساعدتهم فيما يؤول بهم وبمزارعهم إلى المصلحة المشتركة بينهم وبين المستهلكين ويعني خاصة باتخاذ التدابير التي تكفل غنى البلاد عن استيراد ما يمكنها استنباته فيها من الخارج. |
هذه أهم الأسباب في نظرنا لضعف المحصول المحلي.. أما التمر ونخيله وفسيله فهو التمر الوحيد الذي اشتهرت به هذه المملكة من شرقها إلى غربها والذي توجد فيه آلاف مؤلفة في الحسا ونجد والمدينة وتربة والخرمة وينبع ورابغ والشرائع والوداي والزيما والحسينية وغير ذلك من الضواحي الكثيرة وناهيك به منبع ثروة ومصدر ربح لو أحسن استثماره وبذلت فيه العناية الكافية وأدخل عليه بعض الصناعة والتسويق وصدرت منه إلى الخارج المقادير الفائضة.. |
وكم بين ظهرانينا من أنواع الخشب كالعرعر والطلح والسدر ما يسد الحاجة ويزيد عليها لو اعتنى به طلاب المصلحة وروّاد العمل. |
الفواكه والبقول: |
أما الفواكه على اختلاف أسمائها وأنواعها فلم تبخل بها تربة (الطائف) ذلك البلد الذي ما برح منذ صدر الإسلام حتى اليوم محافظاً على رسومه والذي نزح إليه عظماء قريش.. وسادات العرب وخلفاء الإسلام استئناساً بجوّه وعذوبته واستمتاعاً بنضرته واستصلاحاً لانتاجه وتربته حتى قيل إنه جزء من غياض الشام ولقد أتذكر أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال، وقد وقف على الجبل الأخضر في شمال أفريقيا حين الفتح: لولا ما استودعت الوهط من كرومي لما أتخذت بك بديلاً.. أو ما هذا معناه. هذه التربة الصالحة التي كانت تدر منها أخلاف الرزق على الزارع والسكان قد تحولت مع الأسف الشديد بتصاريف الإهمال وتجرم الأيام إلى سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.. ولولا بقية من نتاجها الذي تجود به بعض غيطانها وبساتينها المتحاملة على نفسها لانتظرتنـا الفاكهـة أيضاً من وراء الشواطئ البعيدة. وهل نستطيع ذلك ونحن فقراء!؟ |
كل ذلك نلمسه ونحس به ونحكم بضرورة الاهتمام والعمل على تداركه وإصلاحه ولكن متى يكون؟ وكيف يكون؟ فذلك مالا نجد إليه سبيلاً إلا إذا كان مضغة فم ولوكة لسان أما اليد والقلب فليس لهما من أثر إلا الدعاء وحبذا لو شفع بالعمل. |
لقد جهلنا أو تجاهلنا أن في هذه الأودية الدانية والقاصية في كل مسبح عين وموطيء قدم (بقول) مالها حد و (عقاقير) لا يحصيها عد تتوارد الفنية في أيدي البدو وتباع بأرخص الأثمان على حوانيت العطارين وهي ما هي لو أحصيت واستنميت واستخلصت منها الجواهر والخواص التي يستعملها الطب في كيميائه التبرية وإنها لمن الفائدة والمصلحة للبلاد وأهلها بالدرجة التي يجب أن لا تغفل ولا تهمل وهيهات أن نمضي في طريق الحياة الصحيحة العائدة بالنفع ما لم نسع ونعمل ونجتهد ونفكر في هذه الموارد التي تبدو لا قيمة لها بادئ الرأي ولكنها تفيض ثراء وتنضح نضاراً إذا تعهدتها الأيدي العاملة واستغلتها الأموال الناشطة، ومن الأمثال السائرة: (الذهب يجلب الذهب). |
|