شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة شكر واستنهاض (1)
أسعدني الحظ فاجتمعت ببعض الإخوان الذين قدموا لزيارة أهليهم من أعضاء البعثة العلمية لاستكناه أحوالهم وتطورهم في التعليم الذي أهاب بهم إليه ذلك العزم المشحوذ والسخاء الموفور من لدن صاحب الجلالة الملك المصلح العظيم ولكي تعرف من التحدث إليهم مدى الإدراك الذي نمت إليه عقولهم وتشربت به قلوبهم فيما ندبوا إليه ولشد ما كان عجبي بالغاً منتهاه عندما شاهدت هذا النفر من أبناء الحجاز قد ارتدوا ثيابهم الوطنية وأحاطوا نفسهم السياج من الوقاية والتبصر فلم يدعوا للتقليد باباً يلج منه إلى شيء من مميزاتهم العنصرية فتراهم محتفظين بلهجاتهم - حريصين على آدابهم، مقدرين لحرمتهم، رغم ما تتلقفه أسماعهم وتقع عليه أبصارهم من منكر القول وزوره في الوسط العام الذي قضوا فيه أكثر من سنة ونصف وناهيك ببلاد الكنانة وما حوت من غث وسمين، وشوك ونسرين.
ولقد كان من أهم البواعث لدي لمقابلتهم أن أدرس فيهم هذه الناحية الخلقية بوجه خاص فما عتمت أن امتلأت بشراً ورجاء مُذْ يمَّمَ إلى أحدهم شطره وطفق يقص من أنباء البعثة وسلوكهم وحركة أفرادها وسكونهم ما تقر به العين ويثلج الفؤاد من حيث الاستقامة والتقوى والمحافظة على الفرائض والعناية بالدقيق والجليل من الأمور الدينية، والحرص التام على استدراك الفوائد واستغلال الدروس واستعجال الوقت لبلوغ الغاية التي تتعطش إليها أفئدتهم وتنبعث نحوها أشعة آمالهم.
ومما يلفت النظر أن كثيراً من أولياء التلامذة وهم على حق فيما كانوا يتأففون من بعث أبنائهم إلى الخارج خشية أن يتأثروا بأخلاق شاذة، أو تتسلط على عقولهم بعض المكائد التي يبثها أعداء الإسلام في الأوساط المشتركة ويساعده على ذلك سلامة ضمائرهم واستعدادهم لصغر السن والسذاجة لقبول ما تستعرضه مخيلتهم من صالح وفاسد. فإلى أولئك الآباء أوجه الخطاب مقروناً بالشكر على محافظتهم وضنهم بفلذات أكبادهم والعطف بهم إلى البرهان الحسي يشاهدونه بالعين ويلمسونه باليد في هذه الزمرة المباركة التي رسخت في قلوبهم عقيدة التوحيد وأشربت حب الدين والإخلاص له والتفاني في خدمته وهم في ريعان الصبا وعهد الطفولة. وما ذلك إلا بفضل الله تعالى ثم بالتربية الصالحة والقائمين على مراقبتها.
واستطلعت شيئاً من حياتهم المدرسية فإذا بها جهاد مستمر ورغبة متهافتة وغيرة متقدة وسعي حثيث وراء العلم الصحيح، ومن دواعي الغبطة أنهم قد نصبوا أمامهم هدفاً يتبارون في إصابته وشوطاً تعاقدوا على قطعه مهما كلفهم من عناء وقاضاهم من ثمن ذلك هو النجاح باسم الحجاز في الحلبة العلمية المكتظة بأبناء الأمم العربية والشرقية في القاهرة والاندماج بين العاملين في الوطن المقدس لإعلاء شأنه والبلوغ به إلى المكانة اللائقة بماضيه. هذه الروح المتمكنة منهم ستجعل فوزهم قاب قوسين أو أدنى. وقريباً ذلك اليوم الذي نجدهم مشمرين عن سواعدهم ومرهفين من ألسنتهم على حسب الاختصاص لأداء الواجب نحو بلادهم وأمتهم.
سمعتهم من خلال الحديث لا ينكرون الفضل لأهله - فقد ذكروا بالشكر الجزيل مراقب البعثة الذي اختارته الحكومة هنالك منوهين بنشاطه واستقامته واعتنائه بهم وأنه لم يدخر وسعاً في تسهيل مهمتهم.
ولم أستغرب من هؤلاء الإخوان ما تدثر من كلماتهم - وهم يمجدون العمل العظيم الذي يهيؤهم لمباشرته جلالة الملك - فهم مدركون أنهم مرموقون بعطفه ومعونته، ومطالبون بواجبات كبيرة تفرضها عليهم حاجة البلاد إلى متعلمين مثقفين يشغلون المراكز العلمية المفيدة ويسدون الفراغ في دوائرها العلمية والزراعية والصناعية وهم في الوقت نفسه عالمين أنهم ليسوا منتدبين لاستنشاق (الهواء العليل) أو التمتع (بمشاهدة الكائنات) بل لاستكشاف أسرار العلم وإدراك منافعه والتزود من فوائده العظيمة والاعتصام بمبادئه القوية، ثم القيام بأجمل خدمة يتطلبها التاريخ العربي الحافل بالمفاخر في هذه البقعة المباركة.
أصغيت إليهم برهة لم أتملك من إظهار إعجابي الشديد بما يحملونه بين جوانحهم من الاهتمام بفلاحهم - والإخلاص العميم لموقظهم ومصدر فخرهم صاحب الجلالة الملك المعظم وكاشفهم بما تنطوي عليه نيات ولاة الأمور من مشاريع الإصلاح الكبرى والنهوض بهذه البلاد المقدسة. وأن عليهم أن ينصرفوا بمواهبهم إلى ما هم بشأنه من الفنون فما وجدتني أسديتهم من التحريض والإغراء أكثر مما بعثوا فيّ من التفاؤل والرجاء: ثم حاولت أن أقف منهم على مبلغ الأثر الذي تركته في نفوسهم حياتهم المدرسية الجديدة، وهل هم مرتاحون إلى الوجهة التي يمموها.. فرأيتهم يشعرون بجذل فائق هو نِعمَ العون على تقصير أجل الدرس وتقريب مسافة النجاح فحيهلا بالشباب الناهض ومرحى للمتسابقين، (وعند الصباح يحمد القوم السرى).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :730  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 607 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.