ظَفِرتُ (بمشهدِ) فذٍّ جميلٍ |
تَقرُّ بِهِ النَّواظرُ والقُلوبُ |
(بدرٌ) قابلتْه الشمسُ تمَّا |
وقد جَنحتْ ومالَ بها (المَغيبُ) |
تحدَّاها وأرهَقَهَا صُعوداً |
مُواجهةً وقد أزِفَ الغُرُوبُ |
يُعابِثُهَا وتُصليهِ سَعيراً |
ويغمِزُها ويُعجِزُهَا الوُثوبُ |
ويَمشي بين َ مَواكِبِه اختيالاً |
كَما احتفلتْ بقادَتِهَا الشُّعوبُ |
تكسَّآ (فِضةٌ) ونَضى شُعاعاً |
فأوغرَها وأضْناها الشُّحوبُ |
عليه من الشَبابِ الغضِّ (بُردٌ) |
وفي أعطافِها احتضرَ (المَشِيبُ) |
تُجاذِبُهُ ليدنو وهو يَلهو |
ويَصعقُهَا ويَصرَعُها الدَّؤوبُ |
رَمَاهَا بالهوى ورَمتْهُ عَمداً |
وباحَ بسِرِّها الأفقُ الرَّحِيبُ |
وأحسبُها بهِ هامتْ ولكنْ |
أشاحَ وأَجلفتْ منه اللَّعوبُ |
أطلَّ ينصُّ في خَفَرِ العَذارى |
وتلك تُغَصُ تلقَفُها الغُيوبُ |
وخلفَ كليهِمَا الألوانُ شَتى |
يُرقرِقُهَا الشمالُ أو الجنوبُ |
(لُجينٌ) حيثُما استقبلتُ يجري |
و (تبرٌ) فوقَ أمواجٍ (يَذوبُ) |
وآكامٌ يطوفُ بها رُكامٌ |
وبحرٌ فيه يشتعِلُ اللَّهيبُ |
وألقتْ شَجوَها مَداً وجَزراً |
وبين شِغافِها ارتجزَ الوَجيبُ |
ولمَّا لَمْ تَنَلْ منهُ وِصَالاً |
وضَاقَ بها التَبَسُّمُ والقُطوبُ |
رمتْهُ بنظرةٍ شَزْراءَ شُقَّتْ |
لها الأستارُ غَيظاً والجُيوبُ |
ونادتْ وهي تَشهٌ من بعيدٍ |
وتزفرُ والمنُادَى لا يُجيبُ |
إِليكَ فأنتَ لو انصفتَ بَعضي |
وضوؤك كُلُّهُ مني سَليبُ |
ترَّيثْ واحتجبْ مني حَياءً |
فما لَك في مُناضَلتي نَصيبُ |
أأنتَ تعُقُّني وأراكَ طِفلي |
وتَطفو حيثُ يُخفيني الرُّسوبُ |
فقهقهَ واستَطارَ بهِ سَناهُ |
مُراغمةً ولَجَّ بها الهُروبُ |
وأشرقَ واستوى طَلْقَ المُحيَّا |
تَخُفُّ بهِ (الوَصائِفُ) والطُّيوبُ |
وغاصتْ بعدَهَا انسكبتْ دُموعاً |
على اللجي وعَصفَرَهَا النَّحيبُ |
لو اغتسلتْ بها الدُّنيا طُهوراً |
لما عَلِقتْ بمقترفٍ ذُنوبُ |
وقفتُ هُناك أمسيتي طَويلاً |
(بمحرابٍ) هو الكَونُ العِجيبُ |
أُرتِّلُ آيةً من بَعدٍ أُخرى |
كأني في الخَمائلِ عندليبُ |
وقوفَ مؤذنٍ للَّهِ يَشدو |
(بحيّ علَى الفَلاحِ) ويسَتنيبُ |
وقمتُ مُصلياً أجثو خُضوعاً |
وألتمسُ النَّجاةً وأستثِيبُ |
وقد رقَّ النَّسيمُ ورَاقَ حتى |
تَهامسَ والرُّبى الغصنُ الرطيبُ |
كأنَّك مِنهما تَلقاءَ رَوضٍ |
وقد وافى إِليك بهِ (الحَبيبُ) |
يُبادِلُكَ الحَديثَ وأنت تُصغي |
وقد غَابَ العَواذِلُ والرَّقيبُ |
فما أدري أكنتُ رأيتُ طيْفاً |
(مُلماً) أو هو الَّغرُ الشَنيبُ |
وعدتُ بنشوةٍ أغفو وأصحو |
وحَوليَ كُلُّ شاخصةٍ طروبُ |
ولم أحفلْ بقيلِ أو بقَالٍ |
فما في اللَّغوِ إِلاَّ ما يُريبُ |
يظنُّ النَّاسُ إِطراقي ذُهولاً |
وسرُّ عِبادتي الصَّمتُ الرَّهيبُ |