هل الشَّهرُ شهرُ الصَّومِ إلاّ تَطَوُّعُ |
وهَلْ هوَ ألاَّ للمنيبينَ مَطمَعُ |
فما شئتَ من بِرٍ وما شئتَ من تُقىً |
وما شئتَ من يُسرٍ بهِ الجَّدبُ يَمرعُ |
تَسامى إليهِ المؤمنونَ وكلُّهُم ْ |
عليه حَريصٌ مُقبِلٌ مُتَطَلِّعُ |
(فريضةُ) أوابٍ (وجنَّةُ) مُخبتٍ |
(وحُجةُ) مَسؤولٍ إلى اللَّهِ تُرفعُ |
به أُنزلَ (القُرآنُ) وائتلَق (الهُدى) |
وزُلزِلَ صَرحُ الشِّركِ فهو مُزَعزَعُ |
* * * |
فللَّهِ ما أزهى لَياليهِ في الوَرَى |
وأيامِه اللاتي بِها نَتَورَّعُ |
وجاءٌ لِمفتونٍ وِقَاءٌ لِمُترَفٍ |
سخاءٌ لمحرومٍ نعيمٌ موزَّعُ |
تواصى به الأبرارُ وانطلقوا بِهِ |
إلى الخيرِ والدنيا بهم تَتَضَوَّعُ |
* * * |
وكمْ قائمٍ للَّهِ فيه بِطَاعَةٍ |
تَجافى عن الجنبِ الذي هو مُضْجعُ |
يودُّ لو أنَّ الدَّهرَ قد عادَ كلُّه |
(صِياماً) فلا يَلغو لا يَتصنَّعُ |
فيا حَبذا شهرَ الصيام وحَبذا |
مَواعِظُه الكُبرى وما هي تَجمعُ |
أرى النَّاسَ فيه بين شادٍ بفضلِهِ |
وآخرَ يعدو للسجودِ ويَركَعُ |
حفيينَ بالمعروفِ يَخشوْنَ ربَّهمْ |
وكلُّ امرىءٍ مِنهم إلى اللَّهِ يَخضَعُ |
كأنَّ قلوبَ المؤمنينَ خِلالَهُ |
ملائكةُ الرَّحمنِ إذ هي تخشعُ |
تطيرُ بِهِم نحوَ السَّماءِ عَصائباً |
وتشدو بألحانِ الخُلودِ وتَسجَعُ |
خِماصا عن الفَحشاءِ ظمأى إلى |
التُّقى سِراعا إلى الخيرِ الذي تَتَوقعُ |
يخافونَ إسرافَ النفوسِ وما جَنتْ |
ويَرجُونَ عفوَ اللَّهِ فيما تَقطَّعوا |
فيا أمةَ التوحيدِ في كُلِّ بُقعةٍ |
على الأرض تُصغي للنداءِ وتَصدَعُ |
سلامٌ عليكم من مهابِطِ وحيِكمْ |
يَشِعُّ بِهِ مَوجُ الأثيرِ ويَلمَعُ |
سلامٌ من البيتِ الحَرامِ وأهلِهِ |
على كُلِّ من يَرنو إليه ويُهرَعُ |
سلامٌ عليكمْ أين كُنتمْ وحيثُما |
أقمتُمْ ومهما اكتظَّ بالحشدِ مَجمعُ |
وبعدُ فقدْ طالتْ بنا شُقةُ النَّوى |
وذابتْ مآقينا بما هي تَدمَعُ |
فكم صَرخةٍ دوَّى بها الحقُّ رهبةً |
لها الأرضُ تُطوى والجِبالُ تَصَدَّعُ |
وكم آيةٍ للَّهِ في مَلَكُوتِهِ |
تدُلُّ على الرُّجعى إليهِ وتُهطعُ |
فما بالُنا صَرعى سُباتٍ وغفلةٍ |
وغَرقى افتراقٍ بحرُه يَتَدفَّعُ |
أنشكو من الأيامِ ما هو سعيُنا |
وتَبهرُنا الدنيا الغَرورُ فَنرتَعُ |
ونجهلُ وعدَ اللَّهِ ثم وعيدَهُ |
ونجحدُه نُعمى اليقينِ ونجزَعُ |
كفى زمرَ الإسلامِ لهواً وزينةً |
وشُحاً وتَبذيراً ففي الخيرِ مَقْنَعُ |
كفانا من الأحقابِ ما كانَ وانقضى |
فهلْ لمْ نَزلْ في غَيِّنَا نتسكَّعُ |
أقيموا حدودَ اللَّهِ وابغوا سَبيلَهُ |
وعُوذوا به فيما يَنوبُ ويَقرَعُ |
فأنتم لَعمرُ اللَّهِ أبناءُ أمةٍ |
لها في ضُحى التاريخِ ما هو أنصَعُ |
مشتْ خلفَها الأجيالُ حَسرى كليلةً |
مواكبُ تترى وهي كالشمسِ تَسطَعُ |
فإن أنتُم اختَرتُمْ طريقَ مُحمدٍ |
وسُنَّتَهُ المُثلى وما هُوَ يَشرَعُ |
فما أبهجَ الدُّنيا وما أقربَ المُنى |
وما أعذبَ الوِردَ الذي سَوفَ نَكْرَعُ |
وإلا فلوموا أن أشَحْتُمْ نفوسَكُمْ |
فأحرى بها التقريعُ لو هي تَقذَعُ |
وأحسبُ أن اللَّهَ بالغُ أمرِهِ |
وأنَّا إليه بعدَ حينٍ سنرجعُ |
فكونوا كما يَرضى لكم وتعاونوا |
على البِّرِ والتَّقوى وما هُو أنفعُ |
ونحن لكُمْ يُمنى يديكُم تَعاطُفاً |
وأنتمْ لنا حِصنُ الإخاءِ المُمَنَّعُ |
ونسألُ ربَّ العرشِ جَلَّ جَلالُهُ |
مَثوبَتَهُ الحُسنى بِما نَتَضَرَّعُ |