حبذا (النورُ) من سُفوح (حِراء) |
يَملأُ الخَافِقينِ باللأْلاءِ |
جَوزتْ بي الأجيالَ وهي تهادى |
وثَباتٌ تَميسُ في خُيَلاءِ |
مُؤذناتٌ بمطلعِ الفَجرِ يَطوي |
سُدُفَ الجهلِ خُضِّبتْ بالدِّماءِ |
مستطيلَ الشّعاعِ يقتحمُ الأُفـ |
ـقَ ويَفري حَنادِسَ الظَّلماءِ |
إنما العِلمُ (للشُّعوبِ) حَياةٌ |
وهي من دُونِهِ ضَحايا الفَناءِ |
* * * |
أَيُّ أرضٍ مُدَّتْ وأيُّ سَماءٍ |
لم تَدْنِ بالشفاءِ (للبطحاءِ) |
من جِوارِ الحطيمِ لا مِن سِواهُ |
بَعثَ اللَّهُ (خَاتمَ الأنبياءِ) |
وبهذا الصعيدِ من قَبلُ سالتْ |
في خُشوعٍ مَواكبُ الحُنفاءِ |
وعلى جانِبيهِ قامتْ صُروحٌ |
من هُدى اللَّهِ رحبةُ الأرجاءِ |
وبها استيأسَ الضَلالُ ودُكَّتْ |
قِممُ الشِّركِ وأنذَرَتْ كالهَباءِ |
كلُّ مجدٍ مهما علا وتَسامى |
دونَ هذا مكانةً واحتراما |
(منزلُ الوحي) والمثاني وفيه |
شَرَعَ اللَّهُ دِينَهُ أَحكاما |
يومَ كانت (روما) وكانتْ (أثينا) |
تَحسَبُ الخَلقَ دُونَها أَنعاما |
والأَناسيُّ يعبدونَ حَيارى |
صَنماً شاخِصاً ونَصباً مُقاما |
فإذا (الآيُ) مُعجزاتٌ وفيها |
يَبهرُ الحقُ قوةً واعتصاما |
* * * |
إيهِ من هذه الرُّبوع استلقتْ |
بالضُّحى الشمس واستهلتْ سَلاما |
طوحتْ قيصراً وألوتْ بكِسرى |
وهُما البأسُ شوكةً وقتاما |
وسلاحُ الإيمانِ ما كَنَّ إلا |
و(المواضي) عقيدةً واقتحاما |
أغرقوا البحرَ بالسَّنابِكِ رَكضاً |
وأباحوا الحُصونَ والآطاما |
يفرَقُ الموت أنْ يُداعِبْ منهم |
كُلَّ حيٍّ يَجُوسُهُ إِقداما |
* * * |
أنا مَا لي أقصُّ ما هو مِنكُمْ |
مسرحَ العينِ في سوادِ الطُّروسِ |
أنا ما لي وللحديثِ مُعاداً |
عن "قديمٍ" مُكررٍ في الدُّروسِ |
أنا ما لي أشيدُ بالأمسِ زَهواً |
وهو بالكظمِ مُكفهِرُ العُبُوسِ |
كُلَّمَا قلتُ نحنُ مِنهم بنوهُمْ |
أنكرَ السعيُّ زعمَنا في النُّفوسِ |
صَغُرَتْ هِمةٌ ولجَّتْ غُروراً |
وهي من بعدُ نزوةٌ في الرُّؤوسِ |
* * * |
ليس يرضي الآباءُ أنَّ بنيهمْ |
يبتغونَ الحياة بين (الرُّموسِ) |
نحن أخلافُهُم وما كان مِنَّا |
بَعدَهُم في التراثِ غيرَ الطُّموسِ |
هم يُلاقونَ ربَّهُم بقلوبٍ |
سَلِمتْ من ضغائنٍ ورُجُوسِ |
ونُلاقيهِ (يَرحمُ اللَّهُ عبداً) |
لم يكنْ همُّهُ التماسَ الفلوسِ |
غلبتنا على المَدى شهواتٌ |
زكيتْ ودونَها رُقى إبليسِ |
* * * |
أيُهذا الشبابُ ما العمرُ إلاّ |
ما سعى المرُْ والغَداةَ الحَصادُ |
كل ما في الوجوهِ رهنَ عَفاءٍ |
والخلودُ الصحيحُ لهو المَعادُ |
ما لنا عزةٌ سِوى الدينِ تُرجى |
وتعاليمُهُ هي الأَمجادُ |
وعلينا امتثالُه في ارتقابٍ |
واتقاءٍ مناطُهُ (الاعتقادُ) |
فاحفظوا اللَّهَ واستقيموا يَزِدْكُمْ |
نعمةً منه أيُّها الأَشهَادُ |
* * * |
أيُّها النَّاشِئونَ أنتم الرُّوا |
دُ وبأخلاقِكمْ يَضيءُ المِدادُ |
هذه البيناتُ بين يديكمْ |
(كعبةُ اللَّهِ) والهُدى والرشادُ |
إِنَّ هذا (الأديمَ) لولا سراكم |
شَقَّقتْ بُردها عليه (الضَّادُ) |
فيه قامت مَشاعرُ اللَّهِ قُدساً |
و(بتوحيدِهِ) قَضى الإلحَادُ |
وهو يرنو إليكمُ مُشرئِبّاً |
أنْ أقيموا الصفوفَ وهي جِهادُ |
إِنَّ (تاريخَنَا) المجيدَ لَسِفرٌ |
يستعيدُ الصباحُ منه سُفورَهْ |
طرَّزتهُ (الفُتوحُ) سطراً فسطراً |
مُنذُ أضفى على (العواصِم) نُورَه |
نسجته الصَّوارمُ البيضُ وشياً |
وربيعُ (العقولِ) حَاك شُذورَه |
كيفَ قلّبتَه تجدْهُ (مُروجاً) |
أطلقَ (الفنُ) في رُباهَا طُيورَه |
من صدى لحنِها أُردِّدُ شَجوي |
عبقرياً وأستمدُّ شعورَه |
إِنَّ الطُّموحَ فيكم (جَمالٌ) |
أنا أَفدي عشيَّةُ وبُكورَه |
فإذا ما نظرتُ كفكفتُ دمعي |
من شجوني وزفَّ قلبي حبورَه |
ما كأنَّ الزمانَ فاتَ وَوَلى |
بل بكمْ عادَ واستعادَ عُصورَه |
ذِلكُم أَنَّكُمْ ملأتمْ فَراغاً |
كان لا بُدَّ أنْ نُسوي قُبورَه |
وانبريتُمْ إلى التنافسِ فيما |
يَكبحُ الجهلَ أو يكُفَّ شرورَه |
* * * |
لا يهولنَّكُمْ ضجيجُ المصانعْ |
فهي في سمكها كطي الأصابعْ |
بالتجاريبِ شُيِّدتْ وهي خَامٌ |
من تُرابٍ وقوَّمتْها المَقارعْ |
خُطوةٌ بعدَ خُطوةٍ إِثر أُخرى |
فإذا الصخرُ والحديدُ (مَنافِعْ) |
دقَّ أو جلَّ ما نَراه حَريٌ |
أنْ تُحاكيه غيرَ ما اللَّهُ صانعْ |
ومحالٌ تقدمٌ في جُمودٍ |
أو رُقيٌّ وجهلُها فيهِ شَائِعْ |
* * * |
داؤنا اليأسُ وهو داءٌ وبيلٌ |
أقحمتْهُ على الذراري القَوارعْ |
كيف يَدري ما ليتَ يدري أمامي |
(آدميٌّ) ذكاؤه الفج باخِعْ |
إِنَّ سِرَّ النُّبوغِ أعمقُ غَوراً |
وهو في غَمرةِ المَدارِكِ رائعْ |
لا لُجاجٌ ولا جِدالٌ وغَمطٌ |
بل هو البحثُ والدليلُ القاطعْ |
وبهِ يستوي مع الغَربِ (شرقٌ) |
لو مضى الشرقُ صَاحياً غيرَ هَاجِعْ |
* * * |
أَصلحُ الخلقِ للبقاءِ رجالٌ |
هُمْ يبيتُون سُجَّداً وبُكيَّا |
ثم يَغدونَ للحَياةِ بعَزمٍ |
يَخرِقُ الأرضَ والفِجاجَ دَويَّا |
(فلكٌ دائرٌ) وهُم منه قُطبٌ |
جَعلَ اللَّهُ سمتَهُمْ (عَربيَّا) |
ومن اختارَ أن يُنشَّأ (كِلاًّ) |
(أكلتْهُ) (الوُحُوشُ) أكلاً هنيَّا |
غيرَ أني أبِيتُ فيكم قَريراً |
أتحسّى (الرَّجاءَ) كأساً رويَّا |
* * * |
باركَ اللَّهُ في الشبابِ تَنادى |
عَبباً ظامياً وَسيلاً أتيَّا |
يَزحَمُ الطيرَ في السماءِ نُسوراً |
ويخوضُ البِحارَ مَوجاً عتيَّا |
ويُضحي بكُلِّ ما هو غالٍ |
أين ما كان هَادياً مهديَّا |
دارِعا للكفاحِ يلتمسُ النَّصـ |
ـرَ ويستعجلُ الثواني مُضيَّا |
في ظلالِ (التوحيدِ) يَهزِجُ شَوقاً |
(ربيَّ اللَّهُ) وليجدْني رضيا |
* * * |
الأساتيذُ و(التلاميذُ) منكمْ |
(أنهرٌ) تُستمَدُّ منها (الجدَاولْ) |
ليس من بينِها العراقيلُ تُخشى |
بل هي (النورُ) بالأشعةِ سَائلْ |
أو هي النيلُ صافياً فاضَ عذباً |
في حِمى زمزمٍ رقيقَ الغَلائلْ |
إن يفِضْ في كِنانةِ اللَّهِ ماءٌ |
فلقد فاضَ في البِطاحِ شَمائلْ |
بالبيانِ الذي عَصاني بياني |
أن يُجارِيهِ سَلسلاً في المَحافِلْ |
* * * |
إنما الشأنُ أَننا من قديمٍ |
(أهلُ دينٍ) قَضاؤه اليومَ عَاجلْ |
حمِلتْ مكةُ وطيبةُ حينا |
عنعناتِ النبيِّ وهي رَسائِلْ |
وأشاعتْ في الكونِ عِلماً صَحيحاً |
راشدياً مذهَّباً كالسلاسِلْ |
طافَ بالأرضِ ثم حنَّ إلينا |
بعد لأيٍ و ها هو الكنزُ مَاثِلْ |
هوَ روحُ الإيمانِ يأزرُ للبيـ |
ـتِ ويَمحو بحقِّهِ كُلَّ باطلْ |
* * * |
أيُّهذا الشبابُ حولكَ تُصغي |
(أمةٌ) فيك (سُهِّدتْ) مُقلتَاهَا |
أنت أكبادُها دماً وعُروقاً |
أنت منها شِغافُها وهَواها |
تتواصى عليك إذْ أنت طِفلٌ |
وتُحابيكَ نَاشئاً في حباها |
ترمُقُ المجدَ من يديكَ طريفاً |
في (غدٍ) والغدُ القريبُ رؤاها |
فاشتملْ بالحِفاظِ وانهضْ إليهِ |
ولتكُنْ دائماً رَبيبَ هَواها |
* * * |
حفِظَ اللَّهُ للبلادِ المُفدى |
وليعشْ صقرُها وحَامي حِماها |
وليعشْ قرةُ العيونِ (سعودٌ) |
وله حُبُّها ومِنه (ظُباها) |
وليعشْ فيصلٌ وآلُ أبيهِ |
يرفعونَ الصُّروحَ عِزاً وجَاها |
ولتعشْ أنت للشبابِ نَصيراً |
ولك البُشرياتُ يزهو ضُحاها |
ولتعشْ مصرُ والعُروبةُ طُراً |
والثقافاتُ رجعُها وصَدَاها |
* * * |