جَرى (ماؤها) عَذْباً - وماسَتْ (شِعابُها) |
(مشاعرُ) ملءُ الخافقينِ قرابُها |
تكادُ بها الأنفاسُ من كلَّ تَلْعةٍ |
تَجاوبُ بالأَصداءِ يعلو خِطابُها |
كأنّ - رُباها بالثناءِ - مُعطَّراً |
إليكَ أُفاضتْ - واسبكرت هِضابُها |
غفارُ - قِفارٌ - أصبحتْ وهى جنّةٌ |
وكانت جفافاً يقشعِرُّ تُرابُها |
إذا المُزْنُ حامتْ فوقَها في عشيّةٍ |
بكتْ جَدْبَها. واستَنَّ فيها انْتحابُها |
تَشقَّقُ ظمأى للحياة - ودَوْنها |
مَفاوزُ يُخشى وَحشُها. وسرابُها |
ويزفرُ من غَيْظٍ ثَراها - ودَوْحُها |
ويَشهقُ مغْلولَ اليدينِ ضَبابُها |
مُراغمةً حَرَّى تلِجُ بها الرؤى |
وتَصحو - ومُحْمَرُّ النَّجيعِ - خِضابُها |
حطامٌ من الإهمالِ. ردمٌ من البِلى |
مَواتٌ - تَحاشى لا بثيها
(1)
غُرابُها |
* * * |
مضتْ حِقَبٌ تَتْرَى عليها عقيمةٌ |
وطافَ بها من جانبيها خَرابُها |
تُلِمُّ بها (ريحُ السَّمومِ) بلَيلةٍ |
ويَصْلى سعيراً - بَهْمُها. وضَبابُها |
ويسقطُ فيه (الطيرُ) إذ هو سانحٌ |
ويَبرحُ عنها - والشُّواظُ لُعابُها |
وللوفِدِ في (أم القُرى) ورباعِها |
ضجيجٌ. على الآبار شحَّ انسكابُها |
يؤمونها مطويةً - كضلوعِهِم |
وأكبادُهم حَرَّى يشُبُّ الْتهابُها |
مرنقةً - ما إن يَبِلُ بها الصَّدي |
وكالحنظلِ المنقوعِ في الجوْفِ صَابُها |
يزيدُ بها المَلْهوفُ - وَقداً - ومالَهُ |
سِواها اضطراراً والحَميمُ رُضابُها |
كذلك كان (الحجُّ) ما بين خائفٍ |
وذي عِلَّةٍ يشتد فيه عذابُها |
عشيّاتُه - ترنو - إلى (غَدَواتِه) |
رُفاتاً - كفاتاً - لا يُرجَّى إيابُها |
إذا نامَ لم يأْمَنْ. وإنْ سارَ في الضُحى |
أحاطتْ به بين الرَّعان ذئابُها |
وإنْ هو أصغى للعراءِ فغارةٌ |
مُدمدمةٌ من ماضغيه استلابُها |
يمنُّ عليه أنْ يعيشَ إذا نجا |
وهيهاتَ ينجو ما تَمطَّى يَبابُها |
تَصاريفُ - مَرّتْ - كالأَساطيرِ ضِلَّةً |
وأودى
(2)
بها في الغابرينَ شِعابُها |
مَحاها الهُدى بالسيفِ (مَحْواً) وأُبْدلَتْ |
(مَثانيَ) من وَحي السماءِ (كتابُها) |
سواءٌ بها الجَّاني - عَتِياً - وإمّعاً |
متى هو يَجْني حَقَّ فيه عِتابُها |
فليتَ الأُولى بالأمس، رِيعوا، وزُلْزِلوا |
وسالتْ بهم بينَ الفِجاجِ حِصابُها |
تَبارَوْا إلى السلْسالِ في كلَّ مرْقبٍ |
تَرَقْرقَ أنهاراً - فُراتاً شَرابُها |
تَفجَّر من صَخرٍ به اخضرَّتِ الرُّبى |
كما ارتَجَسَتْ بالغادياتِ رَبابُها |
أُريغتْ
(3)
عن الأَبصارِ في مُهَجِ الثرى |
(قروناً) وأَعيا المُتْرَفينَ انْسيابُها |
فأَشْرَعها (عبدُ العزيزِ) - مَناهِلاً |
حلالاً حُميًّاها - لُجَيْناً مُذابُها |
تَهدَّر كالأَمواجِ - في غيرِ مِنَّةٍ |
وتَسْلُكُ في الأَحياءِ شَتَّى انصبابُها |
وتَجعلُ من (صيفِ) الفُصولِ (ربيعَها) |
فيَخضَلَُ فيه زهرُها ورُطابُها |
مشاعاً أُبيحتْ. ما عليها مُحَلاً |
ولا هي كالضَّحضاحِ ثرّ انتضابُها |
كأني بها في صَفْوِها - وخَريرها |
تُرنَّمُ ألحاناً شجِياً طِرابُها |
يَفيصُ
(4)
بها (سِرُّ الحياةِ) مُسَبّلاً |
ويَفترُّ بين المأزمينِ صِبابُها |
فيا ابْنَ الذي في ظِلَّةِ ائْتَلَقَ الهُدى |
ومن هُو من كُلِّ القُلوبِ مَثابُها |
ويا قُرّةَ الإِسلامِ والعُربِ والذي |
أياديك لا يُحْصى تباعاً حسابُها |
تَباركَ فيك الخيرُ والبِرُّ - وارْتَوتْ |
بكَ البيدُ. واسْتَهْوَى المُلبيّن قلبُها |
بنيتمْ على الإحسانِ والعَدْلِ عَرْشَكُم |
دعائمَ نيطتْ بالثُّريّا حِقابُها |
فما الشمسُ إلا صَفحةً من سِجِلَّكمْ |
لو انْجابَ من بعضِ العُيونِ حِجابُها |
إذا لم نُطِقْ كل الثناءِ - فجُلُّهُ |
على نِعمٍ يَهْمي وليّاً سحابُها |
نزيدُ بها حَمداً وشكراً على المَدى |
وتَزهو - و (عُقْبى الباقيات) احتسابُها |
ولو نُظَّمتْ آثارُكم - لتمَّثلتْ |
(خرائدَ) يُغني عن بياني انتصابُها |
بذلتُم بها الغَالي نُضاراً، وعَسْجداً |
ويوم غدٍ (جنّاتُ عدْنٍ) ثَوابُها |
فلا زْلتَ يا (سَعدَ السُّعودِ) ورمْزَهُ |
طلائعُكَ الخضراءُ
(5)
- نَضْرٌ رِكابُها |
تُغنّيكَ نَشْوى بالمفاخرِ (أمَّةٌ) |
يُفَدِّيكَ منها (شِيبُها) و (شَبابُها) |
وأحْسَبُنا ندعو لكلَّ مُوحدٍ |
إذا دعوةُ الإخلاصِ نادى مُجابُها |
بِحِفْظِ (طويلِ العُمر) رافِعِ صَرْحِها |
ومُحيي رُباها - (تاجُها) و (مُهابُها) |