هتكنا الشمسَ دونَكَ والحِجابا |
وخُضنا بين موكِبكَ العُبابا |
وجاوزنا السَّماكَ إليك وجداً |
وبارينا اللواقحَ والرَّبابا |
وسِرنا خلفَ ركبِكَ في ازدهاءٍ |
بضوء مَداكَ لا نألو اقتِرابا |
ورحتَ كأنما تحدو (بُراقا) |
على اسمِ اللهِ تُزجيهِ رِكابا |
وما كُنا نَهابُ عليك مِنهُ |
ولكنَّا خَشينا أن يَهابَا |
* * * |
أجلْ جشمتَه عِبئاً ثقيلاً |
وأحلاماً وآمالاً هِضَابا |
فكنتَ وخالداً نَصلينِ فيه |
وكان على فِرندِكُما قُرابا |
جَلالُ بطولةٍ وطموحُ شَعبٍ |
وسرُ أبوهٍ سطعَ انجيابا |
يفيضُ حَماسةً ويروعُ بأساً |
ويطفحُ نَجدةً ويمورُ غَابا |
وحاذيناكَ صَفاً بعدَ صفٍ |
بواشقُ تنهبُ الأفقَ انتهابا |
وأغرقنا المُحيطَ بكُلَّ قلبٍ |
تَصبي باقتحامِكَ أو تَصابى |
وأرهقنا جوارِحَنا احتراقاً |
وأهْرقنا جَوانِحنَا انسكابا |
فما أعددتَها إلا قُلوباً |
ولا أنضيتَها إلا رِقَابا |
ولا حلَّقتَ إلا فوقَ هَامٍ |
ولا مَهَّدتَها إلا صِعابا |
وأيًّا ما دَعوتَ وجدتَ مِنَّا |
ولم نبرحْ جوانبَك الجَوابا |
وما كُنا نُطيق وأنت روحُ |
ونحنُ الجسمُ بالطبعِ الغيابا |
* * * |
وما مرتْ من الأيامِ خمسٌ |
هي الأحقابُ طولاً وارتِقابا |
كخمسِكً يومَ أنْ حلَّقتَ تَطوي |
بِساطَ الماءِ والقفرَ اليَبابا |
وظلْنا والقلوبُ لها وَجيفٌ |
كما أَشعلتَ في ضَرمٍ ثِقابا |
نجرُّ ذيولَنا بالفَخرِ طَوراً |
وطوراً نَصدعُ الشفقَ اقتضابا |
بآيةِ ما شهِدناها فِجاجاً |
وأفواجاً وأمواجاً صِخَابا |
بحيثُ يرودُ طرفُكَ ما تَجلَّى |
من المَلكوتُ تَسبِقُهُ اجتيابا |
وحيثُ أشعةُ الأفلاكِ تَلقي |
على شرفاتِهِ تِبراً مُذابا |
وحيثُ الريحُ راكدةٌ تأنى |
وآنا تنفضُ الأُكمَ اضطِّرابا |
وحيثُ المُزنُ صِوانٌ تَهادى |
حَوافلُ تقذِفُ الغيثَ انسرابا |
شججتَ نواصي الأَعرافِ مِنها |
بيُمنِكَ ثم زاحمتَ الضَّبابا |
وشعشعتَ السديمَ بك ائتلافاً |
وأغرقتَ الأيمَ بِنا التِهابا |
وأرسلَهَا المُذيعُ فقالَ بُشرى |
فرُحنا نلمسُ الشِعرى انقلابا |
وأقبلْنا على بعضٍ نَشاوى |
ولما نحسُ من كرمٍ شَرابا |
وهللَّنا وكبَّرنا وقُمنا |
نُؤدي الحمدَ للهِ احتسابا |
* * * |
وأقبلتِ الوفودُ إليك تَترى |
تسُدُّ مفارقَ الطُرُقِ انسيابا |
تبثُ إليك نجوى (جَالياتٍ) |
فتحت لها من التاريخِ بَابا |
أتحتَ لها المخيلةَ فهي تُرغي |
وتُزبِدُ في دعائِمِه مَثابا |
ترى عرشَ السعودِ لها مَناراً |
وتَلقي في دعائِمِه مَثابا |
تنافسُ في (مهاجرها) وتَسمو |
إلى الجليَّ وتقتبسُ اللُّبابا |
كان الضادُ ثمةَ من وراءِ |
خمائلِ سُندسٍ بُسطت رِحابا |
موشاةُ الأرائكِ والزُّرابي |
كما شارفتَ من نجدٍ جنابا |
عرائسُ من دُمى لبنانَ تُهدي |
كأنَّ على أنامِلها خِضابا |
رأيتُ (الهدسنَ)
(2)
الفِضيَّ شفا |
كأن سفينهُ ارتسمتْ حَبابا |
تَنَقَّلُ بين شطيهِ فُرادى |
وتَغشى لُجهُ السَّاجِي كعابا |
وطوداً فوقَ طودٍ من قُصورٍ |
تناطحُ مِثلما زَعموا السَّحابَا |
وأمصاراً تضِلُّ العينُ فيها |
مُزخرفةٌ وأروقةٌ قِبَابا |
كأنَّ الفنَ يومَ أقامَ مِنها |
هياكِلَهُ تصيدها اختِلابا |
وآلاتٌ يَحارُ العقلُ فيها |
وكانت في مَجالِيها تُرابا |
(وحَرثاً) لا نظيرَ له (ونَسلا) |
تعالى اللهُ لا يُحصي حِسابا |
حضارةُ أمةٍ نَهضتْ وَشيكاً |
ولم تأنفْ مع الجدِ الدُّعابا |
عناصرُ ضَمَّهَا (طُوفانُ نوحٍ) |
وقد أعيتْ على الدَّهرِ انشِعابا |
بوارجُ شيدَ الفُولاذُ مِنها |
معاقلَ تُشبهُ الأفعى انسِحابا |
تبرجَ في مسابِحِها بُروجاً |
مُرنَّحَةً وآونةً عُقابا |
إذا قَذفتْ بصاعِقةً عدواً |
تصبُّ عليه من كثبٍ عَذابا |
فيا إبنَ الصقورِ وأنت مِنهم |
غَداةَ مغارِهم تَحكي الشَّهابا |
أرحنا من رؤى الأطيافِ واشددْ |
عُرى الأهدافِ وارتجلِ الخِطايا |
وصفْ للشرقِ ما في الغربِ مما |
رأيتَ ليَسمعَ العَجبُ العُجابا |
أزحْ عنه غواشِيَهُ وأثبتْ |
له أن المُنى تَعنو اغتِصَابا |
وأن َّ كنوزَ أرضِ اللهِ رهنٌ |
بمن يَرقى ومن يَبقى انتخابا |
وأنَّ الناسَ أظفرَهُمْ بحقٍ |
قويٌ يُنشىءُ الدُّنيا غِلابا |
* * * |
وقلْ لجزيرةِ العُربِ اختياراً |
أقلِي الَّلوم أو خَلَّي العِتابا |
وقُومي غيرَ صَاغرةً وهُبّي |
إلى العلياءِ والتَمِسي الرَّغَابا |
وجدي واجهري وعَمي صَباحاً |
فقد صِرنا من الثَّقلينِ قَابا |
وضحي وانضَحي عَرقاً وشُقِّي |
سبيلَكِ ما جَنحتِ له انتصابا |
وقَري في بَنيك اليومَ عَيناً |
فلنْ تريَنَّهُم إلا صِلابا |
فلا ألقاكِ هاتفةً بماضٍ |
تهشَّمَ عِبرةً وذوي وذابا |
* * * |
تلفتْ خَانِقاً وقَضى حَسيراً |
وخلَّفَ من مَواعِظِهِ كِتابا |
* * * |
أنر ببيانكِ الضَّافي شُعوراً |
تحيَّر واهدِهِ الرأيَ الصَّوابا |
وَقِفْهُ
(3)
على مشاهدَ شاخصاتٍ |
من العُمران تمخضه انكِبابا |
* * * |
هي الأخلاقُ أسبغْها دُروعاً |
وأفرغْها وإنْ ثقُلتْ ثِيابا |
(وليسَ بعامرٍ بُنيانُ قومٍ |
إذا أخلاقُهم كانت خَرابا) |
فإن ذهبتْ - وحاشانا - فزورٌ |
وإن بقيت فلن نَشقى ثَوابا |
* * * |
يُؤرَّقُني الهوى من حُبَّ دِيني |
وقومي ثم يُشجيني احتقابا |
وكم أطلقتُها سجراءَ شكوى |
وكم رقرقتُها نُطفاً عِذابا |
قصائدَ تَذرُفُ العبراتِ حرى |
وأخرى تقدحُ الشررَ اشتبابا |
فذرني والمكذِّبَ في حَديثي |
فما يسطيعُ
(4)
في الحقَّ ارتيابا |
وشرُّ الجهلِ ما أفنى كُهولاً |
وخيرُ العِلمِ ما أحيا شَبابا |
وَرُبَّ حقيقةٍ كُسيتْ فهانتْ |
وعزَّتْ بعدَ ما عريَتْ نقابا |
* * * |