حَي الحَجِيج يَفِيضُ منه المشْعَرُ |
وكأنَّما هو في الأباطح مَحْشَرُ |
حي الثقاةَ الناسِكينَ لِرَبِّهمْ |
وهُوَ العزيزُ الخَالِقُ المتكبِّرُ |
* * * |
حيّ التسامي في الذين تَجَرَّدوا |
مِن كل ما يَفنى، وما هُوَ يَدثَرُ |
تركوا وراء ظُهورهِمْ ما استحقَبُوا |
من كُل ما امتلكوا، وعنهُ أدبَرُوا |
يَدعُونَهُ، وعُيُونُهم من خَشْية |
تَهْمى، وتَعتصِرُ القُلُوبَ وتهمِرُ |
يَرجُونَ رَحْمَتُه، وقد وُعِدوا بها |
وتطوَّفُوا في بيته واستغفَرُوا |
* * * |
أكْرِمْ بِهِمْ مِنْ كُلِّ مَنْ هُوَ مُحْرِمٍ |
قد وَحَّد الرَّحمنُ، وهُوَ يكبِّرُ |
لم يَثْنِهِ عَنْ دِينِهِ ويَقينِهِ |
ما تَرْهقُ الدُّنيا بِهِ وتحجرُ |
* * * |
ما الحجُّ إلا توبةٌ، وإنابةٌ |
وله فضائلُ جَمَّةٌ لا تُحصرُ |
فيهِ القلوبُ إلى السماء تَصَاعَدَتْ |
بشجُونها، وسَدِيمها يتبَلْوَرُ |
تَرْجُو، وتخشى الله جل جلاله |
بضراعةٍ منها الجوانحُ تَجْأرُ |
وهو الرؤوف بنا الرحيم وفضْلِهِ |
فينا العميمُ، وللنعيمِ سنصدُرُ |
وسلاحنا توحيدُ وفلاحنَا |
تمجِيدُه، وهو العلي الأكبرُ |
إن النجَاةِ لفي الهُدى وسبيلهُ |
في مُحْكَمِ الفرقانِ لا يتحوَّرُ |
هيَ في اعتصَامِ المسلمينَ بِدِينهمْ |
وبِحِفظهمْ لله، لا ما آثروا |
هِيَ في التحاشِي عن مساخطِهِ التي |
فَتُنُوا بها فتعثَّروا وتدهورُوا |
* * * |
وفلسطينُ في أزرى بها |
إلا التناحرُ وهو داءٌ أعسَرُ |
والقدسُ أُولى القبلتين وإنها |
لأعزُّ ما نهفُوا إليهِ ونزفرُ |
الله لا يرضَى بها مغلولة |
أبداً - وفيها عهدُه - لا يخفرُ |
ما أبى يغرُ ما بنا في بأسه |
إلاَّ إذا كنَّا له نتغيَّرُ |
ولفهدنا هذا المفَدَّى سعيه |
في الخير، وهو بما يقوم يؤجرُ |
بالأمس ضاعف بالعزائم جهده |
في قمة بغداد فيها تبدرُ |
حتى تكلل بالنجاح وبالهُدَى |
ما أبرموا فيها وما هم قررُوا |
هي للسلام ذريعة ووسيلة |
وبها المواطن كلها ستحرَّرُ |
وغَدٌ قريبٌ، والنوايا أخلصَتْ |
وبها التآخي والتضامن يظهرُ |
ولَرُبَّ مكروهٍ تَعَاقَبَ بَعْدَهُ |
خَيرٌ كثيرٌ وهو عنَّا يُستَرُ |
* * * |
يا إخوةَ الإيمانِ إنَّا أمَّة |
للخير ندعُو مخلصين ونجهرُ |
ولنا البشارة أن نراكم قُدوة |
للمسلمينَ، وبالشريعة تنصرُ |
أهلاً بكم في مكةٍ وشعابَها |
وبكُلِّ ما هو من رباها يعمُرُ |
وليَهْنكم حجٌ يزين بخالدٍ |
وهو المليك الصالحُ المتخيَّرُ |
أعظِمْ به من عاهِلٍ متواضعٍ |
لله لا يزهُو، ولا يتكبَّرُ |
وهُو الحبيبُ لشعبِهِ، ولكُلِّ مَنْ |
هُوَ مؤمنٌ، ومع السُجود يكبِّرُ |
إن الدعاء بحفظه متواصلٌ |
وبه الجوانحُ والجوارحُ تهدُرُ |
هُو قُرةٌ لعُيونِنا وشفاؤُهُ |
فضلٌ به الرحمنُ حقاً يُشْكَرُ |
ولهُ السَّلامةِ حيثُ حَلَّ وحسبُه |
مِن كُلِّ ما عَانَاهُ ما هُو يذخرُ |
* * * |
إنَّا لنشهدُه بفهدٍ باسماً |
متهللاً، وبضوئِهِ نتبصَّرُ |
أما الحجيج فحسبُهم آثارة |
تُنبيهم بفعالِهِ وتخبرُ |
طرقٌ معبدةٌ وأمنٌ وارفٌ |
ومناهلٌ منها الصحاصح تغمرُ |
والخيرُ فياضٌ بكل مدينة |
أو قريبة وبه الرخاءُ ميَسَّرُ |
والعلمُ ممتدُ الرواقِ كأنَّهُ |
شمسٌ، ومنه شعبُه يتنوَّرُ |
وكأنَّما الصَّحراءُ عادت جنة |
منها القطوفُ بكل وادٍ تثمِرُ |
والمسلمون جميعهم أبناؤهُ |
وبظلهِ شعبُ الجزيرة يفخرُ |
قد شيَّدَ الأمجادَ وهي طريفة |
وتليدة، وبها المشاهد تزخرُ |
في كُلِّ مشارقه، وكل تنوفة |
يتمثل العمرانُ وهو يُطوَّرُ |
ما همُّهُ إلا الحياة رغيدة |
للمؤمنين وأمنهم، يتوفَّرُ |
ويمينُه في نَيْلِ كلِّ رَغِيبةٍ |
وهُو الذي للمكرماتِ يَصدرُ |
* * * |
عَبدُ العزيز ممثلٌ بشبولِه |
والفيصَل المقدامُ وهو موقَّرُ |
ما الفهدُ إلا خالد وبعزمهم |
تنمُو البلاد، وتستقر وتعمرُ |
أوْلى ضُيوف الله في أمِّ القُرَى |
تكريمهم، وله المآثرُ تُشكرُ |
غَمَرَتْ بشاشته القُلُوبُ وبرِّه |
وحنانه، وبه السلامُ يُبَشَّرُ |
لا زَالَ في كُلِّ المواسم داعياً |
لله، وهو مؤيدٌ، ومظفَّرُ |
ولْيَحْيَى عبدُ الله في أعلى الذُرَى |
وبه المباهِجُ والمحامِدُ تنشرُ |
ولْيَحْيَى عاهلنَا المفدى خَالد |
و(بنو أبيه) ما أفاض المشْعَرُ |