بك العيدُ تُجلى كلَّ يومٍ مَظاهرُه |
وتُهدى تهانِيهِ وتُتلى بشَائِرُه |
فمهما رعتْكَ العينُ ظلتْ "قريرةً" |
ومهما رآك الشعبُ قرتْ خواطِرُه |
إذا طُفتَ بالبيتِ "الحرامِ" ترنَّحتْ |
جوانِبُهُ من غِبطةٍ وسَتائِرُه |
يلوذُ بِبُردَيْكَ الحِجازُ وأهلُهُ |
وتشدو بشُكرِ اللهِ فيك مَنابِرُه |
تَهافتُ من شوقٍ إليك قُلوبُه |
وتُشرعُ من حُب إليك نَواظِرُه |
وتنبعثُ بالآمالِ فيك كأنَّها |
على الأُفُقِ ضَوءٌ أطلقتْه مَنائِرُه |
فكلُّ لِسان في حِجاكَ حديثُه |
وكُلُّ جَنانٍ في هَواك سَرائِرُه |
فأنت لِدينِ اللهِ في الكونِ عِصمةٌ |
وقد عَقِمتْ بالمنِقذِيهِ حَرَائِرُه |
وأضحى غَريباً في بلادٍ كثيرةٍ |
تُباحُ نَواهِيهِ وتُبزى أوامِرُه |
ويَغْضي على جمرِ الغَضَا في صَميمِهِ |
وتَنهلُ بالدمعِ الهَتُونِ مَحاجِرُه |
يُنادي وما من سَامعٍ لِدُعائِهِ |
ويَشقى فلا يَلقى أُساةً تُؤازرُه |
* * * |
فكم صَرخةٍ دوَّى بها في ضَراعَةٍ |
على الخَلقِ بُحَّتْ من جَواها حَناجِرُه |
وكم صَيحةٍ للهِ في كُلِّ جَانبٍ |
تهاوتْ بها أمصارُهُ ومَصائِرُه |
فأمستْ يَباباً ينعَبُ البُوم حَولَها |
كأنْ لم تَكُنْ إلا خَيالاً نُزاوِرُه |
فلما تَغشَّتْهُ الرَّزايا وأطبقتْ |
على الأرضِ طُراً واجْتوتْه كَبائِرُه |
تولَّى فولَّى وجْهَهُ شطرَ مأرزٍ |
تَرِفُّ له أحنَاؤه ومَشاعِرُه |
فأحللتَه قلباً تَمادى خُفُوقُهُ |
عليهِ وشُدَّتْ في هَواهُ أَواصِرُه |
وجاذبتَه حَبلَ المَودةِ فارتضى |
سَبيلك وانثالتْ إليك مَعابِرُه |
فلا حُكمَ إلاَّ ما قَضى اللهُ وحده |
ولا هَدْيَ إلا ما رَوتْهُ مَصَادِرُه |
ولا شرعَ إلاَّ وحيُه في كتابِهِ |
وسنةُ خيرِ المُرسلينَ محاضِرُه |
* * * |
ومَا زلتَ رغمَ الجَّاحِدينَ مُجاهداً |
تُرجَّى أياديهِ وتُخشى بَوادِرُه |
به تُضربُ الأمثالُ في العَدلِ والتُّقى |
وتنجو بَوادِيهِ بهِ وحَواضِرُه |
تؤيدُك الأقدارُ في كُلِّ مَوقفٍ |
ويَصحبُك التَّوفيقُ فيما تُحاذِرُه |
وتهزأُ بالدنيا الغَرورِ وطَالما |
تُناجي بها في الوهمِ من لا تُسارِرُه |
فشيَّدتَ مُلكاً لا تُنالُ حُدودُهُ |
بحولٍ مِنَ اللهِ الذي أنتَ ناصِرُه |
وأنشأتَ عَرشاً من دعائِمِهِ الهُدى |
تَحُوطُ به آجَامُه وخَوادِرُه |
ويكلؤه الرَّحمنُ في خُطُواتِهِ |
ويَحِفزُهُ الإيمانُ فيما يُساوِرُه |
فَسجَّلتَ في التاريخِ للهِ آيةً |
هي الصُّبحُ هل يَخفى من الصُبحِ سَافِرُه |
* * * |
فإن لمْ أكنْ في حُبِّكَ اليومَ واحداً |
فحسبي أني في (بَلاطِكَ) شَاعِرُه |
* * * |
فيا عُصبةَ الإسلامِ إنّ تُراثَكُمْ |
تداعتْ مبانيهِ وضَاعتْ مَآثِرُه |
مشتْ فوقه الأحقابُ صَرعى حَزينةً |
تُقاسِمُهُ أشجانَهُ وتُشاطِرُه |
وتندُبُهُ الأخلاقُ يا ويحَ أمةٍ |
تَجنَّى عليها بالرَّدى ما تُعاقِرُه |
كفى سِنةً خمسونَ جِيلاً تَصَرَّمَتْ |
هي الدَّهرُ دارتْ بالعِظاتِ دَوائِرُه |
كفى عِبرُ الماضي فيا رُبَّ عِبرةٍ |
تهامتْ هبا أجداثُه ومَقابِرُه |
تكادُ تُذيبُ الصَّخرَ وَجْداً ولَوعَةً |
وتَجري بها آكامُهُ ومَغاوِرُه |
على فائتٍ عفَّى الزَّمانُ صُروحَهُ |
من المَجدِ حتى أنكرتْهُ أواخِرُه |
تواصتْ عليهِ بالوِفاقِ بُزاتُهُ |
وأنحتْ عليه بالشِّقاقِ زَرازِرُه |
فهل للأماني رجعةٌ في ظِلالِهِ |
وقد غَادرتْنا في الطَّريقِ عَواثِرُه |
وهل لم يزلْ كلُّ امرئٍ في غَيابةٍ |
من النَّومِ أم يَصحو من الغيِّ سَادِرُه |
* * * |
حَذارِ فَوعدُ اللهِ لا بُد نَاجزٌ |
وأن وَعيدَ الحقِ جمٌّ مَناذِرُه |
وأنَّ ضَحايا البَغي والإِثمِ والهَوى |
براهينُ صِدقٍ لمْ أجدْ مَن يُكابِرُه |
فأحرَ بنا يا أمةَ الخيرِ تَوبةٌ |
نَصوحٌ وإخلاصٌ تجيشُ ضَمائِرُه |
هُنالكَ نَرجو كُلَّ نَصرٍ ونِعمةٍ |
وعفوٍ عن الذَّنبِ الذي هو غَافِرُه |
* * * |
ويا صاحبَ التَّاجِ الذي ازدانَ فَرقُهُ |
وشَعَّتْ لآلِيهِ بِهِ وجَواهِرُه |
ومَنْ هو للدينِ الحَنيفِ مَثابةً |
تُباهي بِهِ أركانُه وشَعائِرُه |
ومن جَمَعَ اللهُ الشتاتَ بسيفِهِ |
وعادَ مِن سَالفِ المَجدِ زَاهِرُه |
ومن لستُ أدري كيف أبلغُ وصفَهُ |
وقدْ جاوزتْ بي كُلَّ أفقٍ مَفاخِرُه |
إليك التَّهاني عَاطراتٍ كأنَّها |
شَذى الروضِ رفَّتْ في الصَّباحِ أزَاهِرُه |
فلا زالتِ الدُّنيا إليكَ مُفيضَةً |
ولا زالَ هذا الدينُ تغشى مَهاجِرُه |
ولا بَرِحَ الإسلامُ فيك مُمَنَّعاً |
تُصافِحُهُ أشياعُه وعَشائِرُه |