شفى القلبَ "عيدٌ" بالمسرَّاتِ باهرُ |
"ونصرٌ مَكينٌ" للمليكِ مؤازرُ |
وأنباءُ صدقٍ مُترعاتٌ كؤوسُها |
"وآياتُ حمدٍ" رَتَّلْتها البشائرُ |
فقد طوتَ الأيامُ (شعبانَ) باسماً |
طروبـاً بما لاقى الغُواة الغَوادرُ |
تشتتَ شملُ البغي وارتدَّ ناكِصاً |
على عَقِبيهِ واجتوتْهُ المَقابرُ |
على إِثر تحشيدِ اللُّيوثِ وزأرِها |
ومن قبلِ أن تدنو الكُماةُ القساورُ |
وفرتْ جُموعُ الناكثينَ فأصبحوا |
وليس لهم مما قَضى اللهُ جائِرُ |
وَحَقَّتْ عليهم نِقمةُ اللهِ فاستوى |
لدى البأسِ رعديدُ الوغى والغشامرُ |
وثابتْ مطيرُ بعدَ أن مَسَّها البِلى |
كما انشقَّتِ العَجمانُ عمن تطايروا |
ولمْ تَسَعِ الأرضُ البراحُ برحبِها |
رؤوسَ الأفاعي والمنايا شواغِرُ |
وأحدقتِ الأبطالُ من كُلِّ جانبٍ |
وضاقتْ بأنفاسِ الجُناةِ الحَناجِرُ |
فولوا على الأدبارِ يبغونَ ملجأً |
وقد كان ما راموا وظن المُحاذرُ |
فشُقَّتْ بها أجوازُها وشَقَوا بها |
شقيقةُ نسرِ الجوِّ والسيدُ خادرُ |
وألقتْ بهم في جانبِ البحرِ خَشيةً |
من البطشِ واسترقى المُجيرُ المجاورُ |
وهيهاتِ والآسادُ مشرِعةَ القَنا |
ودون انتجاءِ المُجرمينَ مَناذِرُ |
فما هي إلا ليلةٌ وصباحُها |
فسيقَ بها الدويشُ وارتاعَ ناكرُ |
وما ساغَ طعمَ النومِ حتى تَصفَّدَتْ |
يداهُ على رغمِ العِدا وهو صَاغِرُ |
* * * |
عليك ابنَ لامى وابنَ حثلينَ قد جنَتْ |
مَواردُ سُوءٍ ليس فيها مَصادِرُ |
أعدتم على قصرٍ وما انفسحتْ بكم |
حِبالُ الأماني والجدودُ العوائرُ |
ولبى نداءَ العزمِ من صُمَّ سمعُهْ |
إِذا الصوتُ أعلنه الظُبا والخَناجِرُ |
وجيء بكم والجيشُ في مُستقرِّهِ |
وذلك ما لم تحتسِبْه الدوائرُ |
بنفسي وأهلي الرافعونَ لواءَهُمْ |
ولو زخرتْ يومَ الحتوفِ المجازرُ |
وللهِ ما لقيتَ يا خيرَ من سَميتْ |
به همةٌ هانتْ عليها المَخاطرُ |
وللهِ رهطٌ من ذؤابةِ مِقرنٍ |
أضاءتْ بهم أحسابُهم والمَحابرُ |
ومن أين لي نعت الذينَ بحدِّهِم |
غدتْ تُضربُ الأمثالُ فهي سَوائرُ |
وحسبي إذا ما حانتِ اليومَ فرصةٌ |
أداءَ الذي أَسطِيعُ والعذرُ سافِرُ |
* * * |
ألا صَغُرَتْ "أمُّ الدُّويشِ" وطابَها |
لذي السبلةِ الجَهماء والموتُ فاغرُ |
عفى عنه من لو شاءَ لاستأثرتْ به |
سيوفُ الردى والجُرحُ بالدمِ نافرُ |
فما راقَه ذاك التطولُ وارتمى |
على مَضضِ والقلبُ بالحِقدِ زافرُ |
وما زالَ يَستغوي الضَّفادِعَ ضِلةً |
ويستهدفُ الآمالَ وهي دوابرُ |
فما كان إلاَّ ثكلهُ بعزيزِهِ
(2)
|
وقد نكبتْه بالرَّزايا المقادِرُ |
فويلٌ لمن لم يَرتضِ العِزَّ مَوطِناً |
ويا هولَ ما جرَّتْ عليه المغامرُ |
وبينَا احتسينا من كؤوسِ حديثِهِ |
وبِتنا نَشاوى واستشاطَ المُكابرُ |
بدا الصَّومُ وضَاحَ الجبينِ كأنما |
تمثَّلَ بالحُسنى وطابَ التزاورُ |
فمن باقياتٍ صالحاتٍ تقدمتْ |
ومن بركاتٍ سَابِغاتٍ تَناثَرُ |
ومن طاعةٍ تُدني إلى اللهِ أو يدٍ |
تُمدُ سخاءً والكريمُ يؤاثرُ |
وم قائمٍ يتلو الكتابَ وساجدٍ |
يخِرُّ ويَرجو يومَ تُبلى السَّرائرُ |
تَطَوَّعَ فيه المؤمنونَ وأخبتوا |
وكلٌّ على ما وفَّقَ اللهُ شَاكِرُ |
* * * |
ولما انقضى باليُمنِ واستقبلَ الورى |
(هلالُ التهاني) واجتلتْهُ النَّواظرُ |
ترقرقَ ماءُ البِشرِ في وجنةِ الضُّحى |
وسالتْ بأفواجِ الرجالِ المَعابِرُ |
ولاحَ لنا عيدٌ زَهى بِسِماتِهِ |
كما افترَّ ثغرُ الغِيدِ أو رقَّ هاجرُ |
كأنَّ المغاني إِذ تأرَّجَ نشرُها |
غوانٍ تفيضُ المِسكَ والجوُّ عاطرُ |
كأن الأماني في المَطارفِ فُصِّلتْ |
على الشعبِ فازدانتْ بِهنَّ المَظاهرُ |
ألا ليتَ من أضحى بنجدٍ مِقيلُه |
رأى كيف ماستْ بالأميرِ المَشاعِرُ |
أجلْ قد شهِدنَا فيصلاً في جَلالِهِ |
كما انحسرتْ دونَ الشُّموسِ السَّتائرُ |
ومن حولِهِ الأمجادُ من آلِ يَعْرُبٍ |
نجومٌ أحاطتْ بالمُنير زَواهرُ |
تهلَّلَ كالغيثِ الهَتونِ وأشرقتْ |
أَسِرَّتهُ واستعذبتْه الضَّمائرُ |
كأني به مَروانَ في دِستِ مُلكِهِ |
إِذ الجيشُ غازٍ والحياةُ مَآثرُ |
كأني به هارونَ في ظِلِّ سِدةٍ |
تدانتْ إِليها بالخُضوعِ القَياصِرُ |
كأن أخا الأشبالِ نفسي فداؤه |
مليكَ الحِجى (عبدَ العزيزِ) المُقاهرُ |
فهل رأتِ الأبصارُ مثلَ وقَارِهِ |
حكيماً أُنيرت في صِباهُ البصائرُ |
عَزوفاً أنوفاً نائفاً متعطفاً |
طريفاً للمُقارفِ غافرُ |
تدرَّع سِربالاً من الحَزمِ ضَافِياً |
وفاضَ كما تَهمي المُزونُ البَواكرُ |
ووطَّدَ أركانَ الأمانِ بسيفِهِ |
فلا خوفَ إلاَّ ما جَنتْهُ الجَرائرُ |
فللهِ عينا من رآه بمجلسٍ |
أنيقٍ قد انثالتْ عليه الجَماهِرُ |
وكلُّ امرئ قد أبطنَ الحُبَّ قلبُه |
وفي وجهِهِ ومضٌ من الودِّ ظَاهِرُ |
* * * |
كأني وحولي من سلائلِ وائلٍ |
عصائبُ تبني ما سَفتْهُ الأعاصِرُ |
تبوأتَ ما بين السَّماكينَ منزلاً |
ولِمْ لا؟ وشعبي حالفتْهُ المَفاخِر |
* * * |
أولئك أقوامي الذينَ توسَّدوا |
على هامةِ الجوزاءِ يومَ تَضافروا |
لهم غابرٌ لم يُبلِهِ الدهرُ ساحرٌ |
وعزٌ على أنفِ العَواذِلِ حَاضِرُ |
فمرحى (لأبناءِ الجزيرة) نهضةً |
قد ارتفعتْ منها الصُّوى والمآثرُ |
وحي هَلا بالبعثِ من بعدِ رَقدةٍ |
ويا نِعمَ ما أوحتْ إِلينا الفَواقِرُ |
ويا حَبَّذا التوحيدُ في كُلِّ حُلةٍ |
وما المجدُ إلاَّ ما حَمتْهُ البَواتِرُ |
وقد صُفَّتِ الأجنادُ في كُلِّ بلدةٍ |
وغَصَّتْ بآسادِ الكِفاحِ المَغاورُ |
فهيا إلى التَّعليمِ نَحسو شَرَابَه |
لنروي نفوساً أصدَّأتها الهَواجِرُ |
ففي كُلِّ رَبعٍ للعلومِ مَعاهدٌ |
وفي كُلِّ جَمعٍ للرَّشادِ مَنابِرُ |
وفي كُلّ نبعٍ (للبذورِ) مغارِسٌ |
وفي كُلِّ فَرعٍ ( للثمارِ) مهاصِرُ |
فلا عُذرَ للوانينَ إلاَّ تكاسلٌ |
ولا لومَ "للفانينَ" إلاّ تَهاترُ |
ولستُ وإِن طالَ الزمانُ بقانطٍ |
فلي أملٌ في يَقْظةِ القومِ نَاضِرُ |
وللشعبِ في (فَخرِ العُروبةِ) (فيصلٍ) |
وفي (صاحب التاجينِ) ذُخرٌ ونَاصِرُ |
فلا زِلتُما للعيدِ عيداً للورى |
(سعوداً) ونظمي فيكُمَا عامرُ |