شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العمل.. العمل
وبعد أن أوضح "الغربال" - في مقالاته التي أوردناها في هذا الفصل - كافة الجوانب المتعلقة بالمسائل الاقتصادية، والمشاريع النافعة للمجتمع.. لم يبق سوى شحذ الهمم إلى العمل، العمل الجاد الذي (يكون للمصلحة العامة، ولرقي الأمة والوطن) كتب الغربال في جريدة أم القرى مقالاً بعنوان: (العمل..
وواجب الأمة) (1) حث فيه مجتمعه على العمل، وترك الكسل، لترقى البلد إلى سلم المجد والرقي والحضارة.
(العمل سنة الله في هذا الكون الممتد الأطراف، الواسع الجهات، وكل فرد في هذا الكون مطالب بالعمل لا فرق بين الأمير والفقير العظيم والحقير، والأعمال تختلف باختلاف الأيدي التي تديرها، والأفكار التي تسترشد بها كما أن نتائجها وثمارها تختلف باختلاف القائمين بأمرها والساعين في سبيل تحقيقها، وما على الإنسان إلا أن يعمل بجد وإخلاص، ليرضى ضميره ووجدانه ويؤدي الواجب عليه نحو أمته ووطنه في معترك هذه الحياة الوعرة المسلك المستمرة الكفاح.
وليست الأعمال هي ملكاًً لأمة دون أمة، ولا لشعب دون شعب ولا لقبيلة دون أخرى ولا لفرد دون آخر بل هي مشاعة لأفراد هذا العالم، إن لكل شخص في هذا الوجود حقاًً فيها دون تمييز، لكل فرد في هذا الكون أسهم فيها دون تفاوت، سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد في سنة الله تحويلا.. وبالعمل تعيش الأمم، وبالعمل تتقدم الأمم، وبالعمل ترتقي وتسعد الأمم، وبالعمل تحيا لوجود حياة عز وسؤدد موفورة الجانب قريرة العين، مرفوعة الرأس سعيدة الحياة، ودونه تذل وتشقى وتتأخر فتبلى وتفقر وتنعدم ثم تقبر. وليست الأعمال التي يقوم بها الإنسان لاكتساب معيشته وسد عوزه وخدمة أمته ووطنه من الأشياء التي يعاب عليها أو من الأشياء التي تقلل من شرفه لا .. بل هي بالعكس تظهره في مظهر الرجولة، في مظهر العامل المجد، وبعمله هذا يؤدي واجباً نحو وطنه، فالعالم يخدم وطنه بعلمه، والطبيب يخدم وطنه بطبه، والتاجر يخدم وطنه بتجارته، والمزارع يخدم وطنه بزراعته، والصانع يخدم وطنه بصناعته. ثم إن الذي يكتسبه من عمله يقضي به لوازمه وحاجياته، ومن احتقر أحداً في عمله الذي يعيش من ورائه (متى كان بعيداً عن الرذائل) فما هو إلا متهوس أو متعاظم، أو متكبر عن العمل، وبالأخص إذا كان في حاجة إليه بحجة أنه صاحب عز وإقبال أو شريف الأصل رفيع المنزلة، وبالأمس كان صاحب خدم وحشم فقد ضل الطريق، لأنه سيأتي عليه يوم ينفذ ما تحت يديه وعند ذلك يصبح عالة على المجتمع الذي ينتمي إليه، وعالة مرذولة في نظر العالم أجمع، ثم إن الكون هذا لم يعمر هذا العمران إلا بالعمل، ولم يتطور هذا التطور الغريب إلا بالعمل ولم يقطع هذا الشوط البعيد والبعيد جداً إلا بالعمل، ولولا العمل لما رأينا شيئاً مما نراه الآن من العجائب والغرائب والمصائب والبلايا والفضائل والرذائل والقديم والجديد).
هذه المقدمة البليغة الموجزة التي كتبها الغربال - ليدخل بها إلى ما يود أن يقوله لمجتمعه - لو خيرت الآن لانتقاء نص مفيد يقرر على طلبة المدارس ويتحدث عن أهمية العمل في الحياة، لاخترت بلا تردد هذا النص البليغ في إيجازه ودلالته وحسن سبكه.
نعود إلى ما كتبه الغربال: (والآن بعد هذه التوطئة "إن صحت أن تسمى توطئة" نرى كثيراً في هذا الوطن العزيز دون عمل يستأثرون فائدته ويستغلون مصلحته لقضاء لوازمهم وحاجتهم، لكل منهم حجة يحتج بها ولكن جلها - إن لم تكن كلها - أوهى من بيوت العنكبوت. إن الحياة ما هي إلا كفاح ونظام مستمر، والعامل المجد هو الذي يسيطر على مرافقها ويستثمر فائدتها، ويقتطف زهرتها، ويجب أن يكون لنا قط أو فرس، ذلك لأننا نريد أن نتقدم إلى الأمام، ونريد أن نكون أمة راقية ونريد أن .. وما دمنا نطمح لمثل ذلك فيجب أن نعمل حتى نصل إلى الغاية التي نطلبها، وأن تكويننا الجديد ونهضتنا الحديثة يجب أن تكون قوية محكمة الدعائم حتى نستطيع أن نبني عليها ما نؤمله ويجب أن نسيرها على خطة متينة لنؤمن لها من السلامة ولنستطيع الوصول بها إلى الغاية التي ننشدها والتي نرنو إليها، والتي تطمح لها نفوسنا، وإذا لم نعمل بجد ونشاط ونترك الكسل جانباً، ونذلل كل عقبة تظهر في طريقنا لتحول دون تقدمنا، سنتأخر ونقضي على هذه النهضة التي لا تزال في المهد بعد، ونبدد الآمال التي نطمح إليها وهي لم تزل في خواطرنا.
أنا أعرف أن الطفرة محالة، ولكن سيرنا ضعيف، وعملنا ضعيف أيضاً، والأشخاص الذين يضعون الأساس لبناء هذا الطود الذي نريده ونتمناه قليل، والواجب يقضي على الأمة أن تؤازرهم وتساعدهم ليكون سيرنا قوياً مفيداً.
أسمع كثيراً من الناس يقولون: أن العمل واقف، وأن الأزمة جعلت البطالة عامة بجميع العالم، وهذا صحيح، ولكن بلادنا وتكوينها الحالي غير بلاد المعامل والمصانع (لأننا لم نعمل لتلك الدرجة بعد) وليس معنى هذا أن الأزمة الحاضرة لا تدعونا للجد والعمل لنتغلب عليها ونقهرها، وإن وقوفنا أمامها مكتوفي الأيدي مضر بنا ومؤخر لسيرنا.
نجد كثيراً من الأجانب يأتون إلى بلادنا ويفتحون في بادئ الأمر حانوتاً حقيراً صغيراً، ثم لا نلبث أن نراهم صاروا أرباب التجارة والدخل العظيم، فهذه الفائدة من أين أتوا بها، بالطبع ودون شك منا ومن بلادنا. لو نحن زاحمناهم وعملنا كما هم يعملون لنجحنا مثلهم وهذا وطننا، وهذه بلادنا وخدمتها علينا واجبة، ونحن أحق الناس بفائدتها.
إذن لماذا لا نعمل ونستغل الفائدة ونكتسب القلوب كغيرنا؟ لا أعرف بل لا يوجد مانع يحول دون ذلك، وإن هذا الأمر منوط بأنفسنا دون غيرنا، إذا عملنا تقدمنا، وإذا تكاسلنا تأخرنا. لقد دار الزمان علينا وعضنا بأنيابه، فقضى على مجدنا الأثيل وعزنا العظيم، والآن وقد أردنا أن ننتبه فيجب أن نسعى بكل الوسائل لمواصلة العمل لما نريد، ويجب أن نطرق كل مسلك نعلم أن فيه فائدة، ومن ورائه الخير لنا ولبلادنا، وهكذا يجب أن نكون، أما أن ننام ونطلب الرقي ونطلب التقدم ونطلب الحضارة ونطلب إعادة المجد الذي اختفى بين طيات الأيام الغابرة فهذا شيء غير معقول ولا يمكن أن يكون أبداً.
العمل قبل كل شيء ويجب أن يكون للمصلحة العامة، ولرقي الأمة الوطن).
بهذه السطور الموجزة الواضحة تمكن الغربال من إيصال رسالته للمجتمع مبيناً لهم أن البلاد في حالة بناء الأساس، لإعادة المجد الضائع، وأن عدداً قليلاً من الرجال المخلصين المخططين لنهضة البلاد لا يكفي دون مساندة من أفراد المجتمع الذين عليهم أن يدركوا قيمة العمل، وأهمية الدور الذي يقوم به كل فرد منهم لتصل البلاد إلى درجة الرقي والحضارة الإنسانية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :393  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 67 من 111
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.