حدث تاريخي خطير |
لنعد إلى ما كتبه "الغربال" أخيراً عن (مشروع القرش) وبعنوان مثير (حدث تاريخي خطير) (لا بدع وعلماء الاقتصاد على تباين ألوانهم متفقون على أن التوحيد المالي صك مضمون النجاح، قالوا: وفي ضخامة رأس المال والاستغناء عن الأرباح وأحكام التدبير ثلاث ضمانات تكمل النتيجة وتسجل فلاح صاحبها. ومشروعنا اليوم مال موحد تشترك فيه الأمة، فينتظر تضخمه على مرور السنوات بفعل النظام وأوضاعه ثم لا ربح فيه يوزع منه، كما أن تدبيره سيقوم على كواهل رجال مصطفين تنتخبهم الأمة من مئات ألوفها. |
لا بدع أن مشروعنا - إذاً - سيكون حدثاً تاريخياً خطيراً - سيحيينا إذا صحبنا التوفيق من جديد حياة علمية قوامها الاستثمار بأوسع معانيه.. استثمار صادراتنا الضائعة ثم تنميتها ليربو نتاجها ويتضاعف. يحيينا لنجاري بلاد العالم التي تمولنا فضلاتها حتى اليوم بما يقيم الصلب ويكسو الهيكل، والتي نشحذها الإبرة والكبريت، وكل لزومياتنا في الحياة من فئة القرش إلى قيمة الألف وعشراته. يحيينا لنقوى بما تنتج عن الاستغناء عن (الغير) ولو في بعض ما نستورده، على الأقل نقوى على الاستغناء بما يحرثه بدوُنَا ويشيده عالمنا وتصنعه أيدينا). |
ويبدو الخطاب هنا أكثر عمقاً، وأقرب إلى (نظرية اقتصادية) يود الغربال أن يوصلها للأذهان في لغة يفهمها الجميع، لأن البعض قد خلط بين مشروع القرش، وشركة الاقتصاد والتوفير. |
ورغم هذا يعلم الغربال مسبقاً أن هناك من سيظهر السخرية من كلامه، ولكن، ما عليه!! إنه يقول: (للبدائي الساذج أن يضحك ملء شدقيه من هذه الأحلام ولا يعنيني كثيراً ضحكه أو سخريته، فالجاهل في كل وقت لا يؤمن بالمنطق، وليس لفلسفة المقدمات التي تسبق النتائج قيمة في نظره، وفي هذا سر تأخر كل الأمم والشعوب الجاهلية على وجه الأرض. |
عرف هذا الاستعماريون بالتجارب فجعلوا من قواعدهم ألا يجادلوا المستعمرين لهم إذا كانوا جهلاء بل يتركوهم للحوادث تدلى لهم بالحجج ويسايرونهم حتى يضعوا أعينهم على النتائج. |
إذاً - لندع البدائي البسيط الساذج يسخر ويملأ شدقيه ضحكاً ونمشي صعداً في طريقنا حتى نجعله أمام أحداث واقعة لا سبيل إلى كفرانها، والصبر قمين لنا في النهاية بالنصر المبين والفتح الذي يحكم كفره وعناده، والذي يأتي به صاغراً في ذله، يعتذر عما بدا ويستصفح فيما أسلف. لندعه ونمشي في طريقنا فنستعرض شيئاً من حقائق المشروع). |
هنا تظهر الشدة في الأسلوب - كما يراها أصحاب (صوت الحجاز) - وما كان يتسنى له نشر ذلك من غير جريدة (أم القرى) التي يرأس تحريرها. |
ثم يبدأ "الغربال" في إيضاح الالتباس الذي طرأ لدى بعض العقول حول (مشروع القرش) (يختلط على البعض الفرق بين مشروعنا، وشركة الاقتصاد والتوفير، لأن الأخيرة جعلت من القرش قاعدة بنت عليها دعائم الشركة إلا أن الفرق بين الناحيتين شاسع: فشركة التوفير محدود مشتركوها، ومشروعنا عام، تشترك فيه البلاد من أقصاها إلى أدناها. |
وشركة التوفير تجبي من شركائها قرشاَ عن كل يوم في السنة لصاحب السهم الواحد، وعشرين قرشاً في اليوم لصاحب العشرين سهماً، ثم تعتبر لهذا المشترك ربحاً في آخر كل عام يتكافأ مع ما دفعه للصندوق - أما مشروعنا فقوامه قرش واحد بعد كل ثلاثة شهور أو أربعة أو مثل ذلك، يدفعه المواطن كتبرع خيري لا ينتظر وراءه ربحاً. ولا يملك التصرف في هذا القرش إلا نفر ينتخبهم الشعب من بينه انتخاباً حراً، ويضع أمواله بين أيديهم يوجهونها حيث شاءوا ضمن حدود النظام وقيوده. وتتلخص قيود النظام في هذه الناحية بألا تصرف الأموال إلا في مشاريع اقتصادية (زراعية أو صناعية) كأن يحيوا أرضـاً مواتاً أو يشيدوا معملاً للنسيج أو الحياكة، أو في معنى ذلك من ضروب الصناعة على مختلف أنواعها. |
وتموج أسواق البلاد بما تنتج من هذه المنشآت، ويجد المواطن في العمل مجالاً، ثم تعاد الغلة فيها من ربح، وما يضاف إليها من تبرعات جديدة إلى الصندوق ليوسع منشآته ويدخل عليها ما تستطيعه من تعديل وتحسين، وهكذا دواليك ما كرت سنون وتداولت أعوام. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال وجيه مؤداه: (إن لكل شيء مصيراً فما مصير هذه الأموال إذا تعاقبت عليهم السنون طالت أم قصرت). |
والنظام لم يغفل هذه الناحية ولم يهملها فقد نص على أنه ليس للشركة أجل محدود، ولا تحله إلا إرادة ملكية، وفي هذه الحالة عين ورثته وحصرهم في متمولي، أمانة العاصمة، والمعارف، والأوقاف، يومها مع مديري المدارس الأهلية غير التحضيرية). |
بهذا يكون الغربال قد رسم وأوضح الخطوط العريضة لمشروع القرش وفق ما جاء في النظام الذي حدد معالمه. |
|