الرجل في بيته |
(الدين المعاملة..) من هذا المبدأ توجه "الغربال" ليطرق أبواباً تسكن داخلها الغفلة عن واجبات يتحملها رب الأسرة. |
تحت عنوان "المعاملات.. الرجل في بيته، "نشر مقالين متتاليين في العددين (381 ، 382) من أم القرى، تناول فيهما مشكلة من تحمل مسؤولية رعاية الأسرة المنزلية ولم يوفها حقها من الرعاية والاهتمام. |
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها.. والخادم في مال سيده راع ومسؤول عن رعيته. بهذا التوجيه النبوي الشريف افتتح الغربال مقاله، مؤكداً على دور الرجل الراعي لأسرته (هو الذي يدير أموره كيفما شاء، وهو قائد من فيه يدير أمورهم بمعرفته) ولكن (المشكلة) أن هناك البعض من الرجال لم يكونوا على مستوى المسؤولية. |
(كثيراً من أرباب العائلات نجدهم عندما تطأ أقدامهم أعتاب دورهم يشعرون أن جميع من فيها عبيد أرقاء، لا يملكون من أمرهم عدلاً ولا صرفاً، فيأمرون وينهون ويصرخون، ويصدرون أمرهم بما يشاؤون، ومن في البيت سامعون طائعون، وليتهم مع كل هذا مخلصون). |
بهذا الأسلوب "البياني" الجميل بدأ في عرض المشكلة، ثم نحا إلى الإيضاح البسيط: |
(لنبحث علّنا نجد لأمرهم وانصرافهم مسوغاً، كثيراً ما تجد أنه لم يكن هناك مسوغ لكل ذلك. وإنما الاستبداد والتحكم فيهم، والظلم الذي في نفوسهم هو الذي يخلق لهم تلك الأوهام ويعظمها ويجسمها في أعينهم، فيعاملون من هم في كنفهم وتحت رعايتهم لا تنطبق وروح العدل والإنصاف، نجد رب العائلة كثيراً ما يسيء إلى زوجته، وكثيراً ما يهين الخادمة، وكثيراً ما يهمل تربية أطفاله، ثم بالتالي يشمخ بأنفه عليهم، ويصعر خده عنهم، وينظر شذراً، ويكلمهم والعظمة الكاذبة تكسوه من رأسه إلى إصبعه، كل ذلك لكونه رب البيت وجميع من فيه بحاجة إليه). |
ثم يعرض وجهاً آخر من الرجال (أرباب العائلات): |
(الذين لا يعلمون عن شيء من أعمال بيوتهم، ولا عما يحدث فيها، ولا كيف تدار شؤونها وليس لهم كلمة ولا قول بل (القول ما قالت حذام). من هذا القسم أناس كثيراً ما يخجلون في بعض المواقف كثيراً ما يكونون أضحوكة في أعين الناس والعارف لا يعرَّف، وكثيراً ما يحارون جواباً إذا سئل عن شيء من الأشياء الداخلية التي يهمهم أمرها، والتي من الضروري أن يعرفوا ولو شيئاً عنها، هؤلاء موجودون، بالرغم من قلتهم فإن وجودهم بين ظهرانينا مضر، لأنه من القليل يتولد الكثير؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى لأنهم أهملوا ما لهم وما عليهم من واجبات فأساءوا إلى أنفسهم، وإلى عائلتهم وإلى أمتهم أيضاً). |
ويتوقف قليلاً عن عرض المشكلة ليلفت النظر إلى بعض الواجبات والحقوق المترتبة على رب الأسرة: |
(يجب أن نعرف أن رب البيت عليه حقوق كما أنه يجب أن نعرف إنه إذا لم تصلح داخليتنا فلا تصلح خارجيتنا، فيجب أن نعمل لإصلاحها ونعطي كل واحد كما يجب، دون إفراط ولا تفريط، بذلك نكون قد أحسنا إلى أنفسنا وإلى من نرعاهم، إلى من نحن مسؤولون عنهم، إلى من هم أمانة مودعة في أعناقنا، إلى من سنحاسب عن ما تجنيه يدنا معهم، وسنجازى عليه إن خيراً فخير وإن شراً فشر). |
ثم يعود مرة أخرى إلى الحديث عن ( المشكلة): |
(كثير من أرباب البيوت يسيئون إلى من في بيوتهم دون مسوغ ودون حق، فيهضمون حقوقهم ويدوسون واجباتهم، ولكن لا يعلمون أن نتيجة ذلك خراب البيت، وإن كثيراً ما تؤدي تلك الأعمال إلى الفوضى فيه، فيصبح كل من فيه يرى نفسه هو الآمر الناهي، ومن هنا يدب الخراب، كثيراً ما تجد رب البيت يستبد برأيه في الأمور المنزلية فيعمل بفكره كأن الذين معه ليس لهم في الأمر شيء، وهذا الرأي على ما أرى غلط، لأنه كثيراً ما نجد أن هذه الأشياء تهدم حبل ائتلاف العائلة، وتحدث مشاغبات داخلية تؤدي للعداوة فيتعب رب البيت من نتائجها السيئة ويكون ذلك بما جنته يده، وبما دفعه إليه استبداده. كثير من الناس يظنون إنهم قد أصابوا في هذه الأعمال مع أنهم مخطئون في نظريتهم، لأن ضررها أعظم من أن يقاس، وقد قيل ليس بحكيم من لم يعاشر بمعروف من لا بد له من عشرته، اسمح لي أيها القارئ أن أقول: إن النظام البيتي غير موجود في بعض بيوتنا، اسمح لي أن أقول: إن حاجتنا شديدة إلى تنظيم أمور بيوتنا، اسمح لي أن أقول: إن الفوضى ضاربة أطنابها في كثير من بيوتنا، اسمح لي أن أقول: إن معاملتنا مع من هم في كنفنا معاملة قاسية لا تنطبق وواجباتنا، اسمح لي أن أقول ذلك لأنها حقائق واقعية). |
تكرار العبارة: "اسمح لي" فيه توجيه للانتباه إلى أهمية ما يقال بعده، وقد تعمد "الغربال" هذا التكرار ليظهر حجم المشكلة، وينبه إلى خطورتها: |
(أنا أعرف أن هذه الحقائق مؤلمة، وأقسم بالله أنها تؤلمني، ولكن هل من العدل أن نترك هذا الداء دون مقاومة؟ ولا سبيل على ما أرى إلى مقاومته إلا بإظهاره، وليعلم كل واحد أن هذا مضر به وبأسرته وبأمته في التالي. والبيت هو المكان الذي تعيش فيه العائلة، وهو المدرسة الأولى للأطفال وهو المكان الصغير، لأنها تتطلب من الفطنة والحنكة وسداد الرأي وحسن التدبير ما تتطلبه إدارة الشؤون العامة في الحياة، فبسعادتها تسعد العائلة، وبشقائها تشقى العائلة. كلما كانت المملكة منظمة نظاماً مستحكماً كانت فائدتها أعظم. فيجب أن نعمل على تنظيم أمور بيوتنا ونحكم ذلك، وإذا فعلنا فنكون قد أدينا واجباً علينا، وإحساناً إلى أنفسنا، كما إنه يجب أن نعتني بجميع من فيه، وأن نحسن المعاملة مع من فيه، وأن لا نستبد ونظلمهم، وأن يكون العدل أساساً لنا في جميع أعمالنا، لأنه بحسن تدبيرنا تسعد الأسرة وبإغفالنا ذلك تشقى الأسرة تشقى الأمة (لا قدر الله) فهل نحن فاعلون؟!). |
• العلاقة الأسرية التي تحدث عنها "الغربال" كمشكلة قائمة - في زمانه -، هي في حاضرنا المعاصر أكثر وضوحاً وانتشاراً، ويمكننا الوقوف على الكثير من المشكلات الأسرية التي يرجع أسبابها إلى سوء الإدارة من قبل رب الأسرة. أو الإهمال التام للواجب المناط به تجاه أسرته. والتفكك الأسري ظاهرة منتشرة في كثير من المجتمعات المعاصرة، مما تسبب في جنوح الأحداث، ودفعهم إلى ما يسيء لدينهم وأمتهم. |
وعندما يفقد رب الأسرة السيطرة على زمام الأمور في بيته، أو يهمل متطلباته، فإن الأمر يتحول إلى اضطراب يسود الأجواء المنزلية، وبما أن البيت يمثل المدرسة الأولى في التنشئة الاجتماعية، فإن أي خلل فيه ينعكس بالتالي على المجتمع عامة. |
لذا لا نزال نقول بأن قديم "الغربال" لم يزل جديداً نعاصره في حياتنا، ونستشف منه ما يصلح حالنا بإذن الله تعالى. |
|