شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(أنا والأخلاق)
تحت هذا العنوان كتب (الغربال) عن مسائل تربوية واجتماعية، تناولت التنشئة الاجتماعية للفرد، تحدث عن المدرسة التي تعلم فيها (تنظيمها - أساتذتها- أسلوبها في التربية - علاقتها بالبيت) وهي ذات المدرسة التي يتعلم فيها مجتمعه. وقد عرضنا ذلك بالتفصيل في الجزء الخاص بـ (التربية والتعليم).
ثم كتب في العددين 378 ، 380، من جريدة (أم القرى) لعام (1350هـ - 1932م) عن: (تحسين الأمور التربوية في الوسط العائلي، والمدرسة والبيئة العامة)، (والرفاق الذين صحبتهم، والأمة التي عشت فيها).
وحين بدأ يتحدث عن الأخلاق وتأثير سيئها على الفرد اتبع أسلوب "الرمز" بالأنا على طريقة (إياك أعني يا جارة). ثم نصب (محكمة) جعل نفسه فيها (المدعي)، وخصومه (الرفاق، والعائلة، والمدرسة، والأمة التي عاش فيها). لنتابع هذا الأمر: (أشعر أن أخلاقي غير حسنة وأفكر كثيراً لأعرف الجاني، أو بمعنى غير، لا أعرف ما الذي جعل أخلاقي سيئة؟ وقد اتهمت نفسي وقلت إنها هي التي جنت على أخلاقي، ولكن سرعان ما أجد نفسي لم تجن علي وحدها، وأن هناك جانباً غيرها، وعليه فسأظل أبحث عن الجاني لأنه من الضروري أن أعرف من الذي جنى علي هذه الجناية، وما الذي حط أخلاقي إلى هذه الدرجة التي أنا فيها لأعرف خصمي، خصمي الذي أساء إلى حياتي بأكملها لأني أصبحت غير صالح، كأني عضو مشلول في أمتي، ومن كان كذلك فوجوده وعدمه وموته وحياته سواء. فبالله هل تلمني أيها القارئ، إذا أنا بحثت ونقبت وقمت وجلست وطلعت ونزلت؟!.
ولكن لماذا أسألك؟ وهل من الضروري أن أنتظر رضاك أو غضبك؟ فإذا رضيت أو غضبت فعندي سيان ما دام أن المسألة تهمني، أو بمعنى أفسح تهم أمتي التي أنا أحد أعضائها المشلول. فلذا سأبحث وسأبحث، ولتكن على ثقة أيها القارئ أن ليست غايتي البحث عن خصمي لأحمل عصا حتفي فأكسر بها رأسه، أو لأعرف الداء الذي أصابني حتى أتوصل إلى معرفة الدواء لأعالج به ابني الذي هو في عالم الذر، وأبناء عصري الذين هم مثلي، أما أنا فمع الأسف، أصبحت لا ألتذ بحياة غير التي أنا فيها، والذنب في ذلك على من أضاعني ولم يفكر في تعديل أخلاقي.
وتبدأ المحاكمة.. محاكمة الذات الرمزية:
(ثبت وتحقق أن هناك جانياً غير نفسي، فمن هو ذاك الجاني يا ترى؟ وهل أوجه التهمة إلى الذين قاموا بتربيتي أم إلى البيئة التي نشأت فيها؟؟ أم إلى الأمة التي أنا منها؟ أم إلى الكل بصفتهم كتلة واحدة في مجتمع الإنسانية؟. أنا أعرف دون شك ولا ريب أني إذا وجهت التهمة فأطالب بالبينة، فإذا الموضوع جد، والمسألة فيها مسؤوليات، ومن (غربل الناس نخلوه) فيجب أن (أقيس قبل الغطيس)، وأن أفتش (من تحت لتحت) ولو كان الموضوع موضوعاً أخلاقيا فقط، لكان الأمر سهلاً.. - واحد من ألف أو من مائة ألف - ولكن الموضوع أخلاق من كان مثلي، بغض النظر عن كونهم يشعرون بذلك أو يشعرون ويفكرون في إصلاحها، أو لا يفكرون).
• ثم يحدد الخصوم، ويوجه التهم إليهم:
(ها قد عثرت على الخصم، وتوفرت لدي البينة، ولأبادر الآن بتوجيه التهمة. فهل عرفت أيها القارئ؟ هل عرفت الذي جنى علي وعلى غيري؟).
أما أنا فقد عرفت خصمي. لا بل عرفت أخصامي الذين جنوا علي وعليك هم:
1 - الرفاق الذين صحبتهم.
2 - العائلة التي نشأت تحت رعايتها.
3 - المدرسة التي تعلمت فيها.
4 - الأمة التي عشت فيها.
• بهؤلاء يحدد "الغربال" الأطراف المسؤولة عن تربية النشء ثم يعرض التأثيرات المباشرة، والتي على ضوئها يستقيم العود أو يعوج:
(كل هؤلاء أخصامي، وهم الذين أساؤوا إلي، والذين سأقيم عليهم الدعوة وأورد في وجوههم البينة، التي نشأت تحت رعايتها: الوالد أحسن ما يكون على ولده، هذا شيء مسلم لا يحتاج إلى برهان ولا دليل، وكذلك الوالدة. ولكن مع الأسف، فقد نشأت بينهم وتحت كنفهم ورعايتهم، فأساؤوا إلي من حيث يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. تعلمت الكلام كما يلقناني إياه - والعراف لا يعرَّف - وأوكلا أمري إلى من أهمهم كخادم وخادمة وغير ذلك، فنشأت كما ينشأون، ولم يكن عندي في ذلك الوقت من العقل ما يردعني ويجعلني أفكر في أن هذا مليح أم قبيح. كما أن أخلاقي لم تكن سبخة لا تنبت فيها تلك البذرة بل قد نبتت وأثمرت بئس الثمر بعد ذلك. قالوا لي هذا عيب وهذا مضر، وذاك قبيح ولكن ماذا أعمل وقد أصبح ذلك من الغرائز في نفسي، وأصبحت أشعر بدوار شديد في رأسي إن لم أقله وأتغن به، هذا من جهة الأقوال، أما من جهة الأفعال فقد كنت أراهم يعملون أشياء ثم ينهون عنها، ويقولون إن هذا لا يجوز، ولا يجب أن تعمله فأدخل مع نفسي في محاورة.
يقولون هذا لا يجوز، وأن عمله مضر. سلمنا وآمنا وصدقنا، ولكن لماذا يفعلونه ويقدمون عليه؟ فإذا كانوا صادقين فيجب عليهم أن يكفوا عنه أولاً "لا تنه عن خلق وتأتي مثله" وإن كانوا كاذبين، فلماذا إذاً ينهون عنه، وهل أحل لهم وحرم علي؟ ثم أخرج بالنتيجة إن الموضوع مغالطة، أظهر أمامهم كما يأمرون، وأفعل من ورائهم ما يفعلون وأني شاطر في التصنع إلى الدرجة التي أظهر فيها أني سمعت وأطعت.
هذا كله وعمري السادسة بعد، فكيف إذا صرت في العاشرة أو الخامسة عشر؟ بالطبع سأكون ماهراً أكثر من الآن بكثير، فأظهر العفة والصلاح والتقوى، وأبطن غيرها، وهذه هي البذرة الأولى، ويا لها من بذرة سيئة. من هذا يظهر أن نظام التربية معدوم في العائلة التي نشأت فيها، وربيت تحت رعايتها وفي ظلها، وبالطبع فإنه توجد عائلات خطتهم في التربية مثل هذه الخطة، وربما كانت (أزفت) من ذلك. لعل لتلك العائلات التي تماثل عائلتي أن تعدل خطتها وتحسن سيرها وتنشئ نظاماً حسناً لتربية أطفالها، فيكونوا قد أدوا واجبهم عليهم ويكونوا قد أحسنوا إلى من أوكل إليهم أمر تربيتهم، وأنقذوا أبناء المستقبل من الخطر الذي يداهم حياتهم).
بعد ذلك يوضح أهمية التربية السليمة في بناء الشخصية السوية للطفل:
(إن نظام تحسين التربية من أهم الأشياء التي يجب العناية بها، ومن أقدس الواجبات التي نسعى لتحقيقها بالأقوال والأعمال، لأن مستقبل الأمة متوقف على أبنائها، ومستقبل الأبناء متوقف على حسن التربية، والعائلة هي حجر الزاوية في تربية الطفل الذي ينشأ بينهم، وهي المسؤولة في الدرجة الأولى عن حياته ومستقبله. قد أجد من تأخذ به الحدة فيقول: إذا كانت العائلة التي نشأت فيها مما ذكرت، فليس معنى ذلك أن كل العائلات على هذا النحو، فأجيبه: أنت صادق في قولك إلا أني لم أقصد بمقالي هذا إلا من كانت عائلته مثل عائلتي في التربية والأخلاق، ثم لو سلمنا، هذه العوائل قليلة، فهل يجوز لنا تركها لتسير في عاداتها السيئة؟)
 
طباعة

تعليق

 القراءات :378  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 44 من 111
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.