الكشف الصحي ضروري |
عندما كتب الغربال مقاله المعنون بـ (الكشف الصحي ضروري للمتزوجين من الرجال) - ونشر في (صوت الحجاز) العدد 26 وتاريخ 2/6/1351هـ - أثار هذا الموضوع جدلاً واسعاً بين المتحذلقين من أدباء زمانه، فردوا عليه باستهجان لا يليق، ولم يكلف أحدهم نفسه أن يفكر بدقة، فيصدر الحكم بوعي وإدراك لما يهم مصلحة المجتمع. |
المجتمع آنذاك كانت تكتنفه العادات الموروثة، يعض عليها بالنواجذ، فلا يحيد عنها، ومن العادات ما كان منها بحاجة إلى تعديل أو تغيير. والتطور يتطلب ذلك فكيف يتم هذا دون توعية إعلامية تبصر الناس، وتوجههم إلى المسار الصحيح؟! |
(إن الواجب يقضي علينا بأن ندخل على عاداتنا كثيراً من التعديل، فنلفظ السيئ ونستبقي الحسن، ونضيف بعض الأشياء الضرورية لحياتنا). |
ماذا قال الغربال عن مسألة (الكشف الصحي) تلك؟! |
(جرت العادة، وهي عادة مبنية على غير شيء من الحكمة والتروي، بأن الزوج إذا اتفق مع أهل العروس على الزواج، يقدمون حالاً لإعداد معدات الأفراح دون أن يفتشوا أو يبحثوا عن الحالة الصحية، وإني أرى في ذلك خطراً عظيماً لا على حياتهما فقط، بل على حياة نسلهما أيضاً، وإن النظر الخارجي لا يكفي لنفي المرض، لأنه قد يكون الإنسان مريضاً وهو نفسه لا يشعر بذلك إلا بعد أن يحمل عليه المرض بخيله ورجله، نسأل الله السلامة والحماية، كما أن كثيراً من الأمراض تكون داخلية فلا يعلم بها أحد غير المرضى، ومن أراد أن يطلعه على ذلك، ومع الأسف فإن هذه الأشياء كلها لم نلاحظها، ولم نعتن بها لأن أكثرنا يعتقد أن بحثها أو التفتيش عنها فضيحة وعيب، وهذا الاعتقاد فاسد، يجب أن نضرب عنه صفحاً ونتغلب عليه بقوة حديدية ما دام في ذلك سلامة مجموعنا وتحسين حياتنا الزوجية وسلامة نسلنا أفلاذ أكبادنا. |
من المؤسف أن نقيد أنفسنا بقيود مهلكة في أشياء لا طائل من ورائها، كما أنه من المؤسف والمؤلم معاً أن نكون في حل من تقيد نفوسنا بأشياء يقضي بها الواجب وتأمر بها المصلحة، ويشدد "الغربال" على ضرورة الاهتمام بالجانب الصحي الذي أشار إليه. |
(إني أقول وأكرر قولي بضرورة إخراج كشف صحي للزوج فقط، ولا أقول للزوجة معه لأسباب لا تخفى على من تدبر وأبصر، قبل عقد النكاح، لأن ذلك مفيد لنا ولازم لسلامة حياتنا، وحفظ نسلنا، ونظراً إلى أن هذا من واجبات مصلحة الصحة فإني ألفت نظرها إلى ذلك العمل اللازم، وهي أدرى بالطرق التي يمكنها أن تطبق هذه النظرية تطبيقاً يصونها من العبث، لأن ذلك ضروري للأمة، ومصلحة الصحة (لم تكن وزارة آنذاك) لا شك تعرف ذلك). |
ثم يكشف عن وجهة نظر البعض حول هذه المسألة: |
(أنا أعتقد أن كثيراً من الناس سامحهم الله يسخطون على طلبي هذا وربما قالوا عنه "هذه مجازفة" ولكن ذلك لا يهمني لأني متيقن من أن الحاجة ماسة إليه وأعرف أن كثيراً من الزوجات المسكينات خرجن من بيوت أهلهن وهن صحيحات الأجسام فأعداهن أقرب الناس إليهن (أزواجهن).. صدقني أيها القارئ، إذا قلت: إن هذا قد حدث وقد روى لي صديق أعتمد على صدق روايته بوقوع حوادث عديدة من هذا القبيل. لطفلك اللهم ورحمتك). |
وفي ختام المقال يحث الغربال مجتمعه إلى الكشف الصحي لفائدته العامة: |
(الكشف الصحي يفيدنا من جميع الوجوه، وربما كان منبهاً لأحدنا على مرض لم يشعر به ولم يعلم عنه شيئاً فيقاومه، ثم لا يوجد أقل ضرر إذا نحن قمنا به، فهو والحالة هذه إذا لم يفدنا وينفعنا لا يضرنا، وما دام كذلك فيجب أن نجعله كعادة بيننا، إذا قلنا ذلك فنكون قد حافظنا على صحة الكثير منا وقاومنا الأمراض التي تعترض أجسام بعضنا، وإذا أهملنا ذلك فنكون مسيئين أو مذنبين، فأيهما أحسن؟ أيهما أصلح؟!). |
الأصلح بالتأكيد هو الكشف الصحي الذي طالب به "الغربال" خاصة إذا علمنا أن هناك (حالة) كانت تعكر صفو الحياة الزوجية لم يذكرها الغربال، وقد أدركت بعض أحداثها، ويمكن وصفها على النحو التالي: |
يحدث أن يفاجأ الزوج ليلة عرسه بحالة غريبة لا تمكنه من المعاشرة الزوجية، فيقال عنه، بأنه (مربوط) أي عمل له سحر يمنعه من معاشرة زوجته، فيذهب المسكين إلى المشعوذين لكي يخرجوا له السحر ويفكوا رباطه.. وغالباً ما يكون الانفكاك بين الزوج والزوجة بالطلاق! بينما الحالة - في حقيقتها - مرتبطة بالصحة، فالزوج إما أن يكون مصاباً بمرض له علاقة بالجهاز التناسلي، أو إنها مجرد حالة نفسية تتطلب علاجاً نفسياً. |
ومع الأيام تفتحت العقول ووعت أهمية العناية بصحة الجسد، وذهب الجهل بما يحمل من عادات وأفكار خاطئة عانى منها المجتمع كثيراً.. غير أن مسألة (الكشف الصحي قبل الزواج) لم تزل قائمة في كثير من الأحوال. وكأننا بحاجة إلى قراءة ما كتبه الغربال ثانية، لنعي ما قاله وطالب به! |
|