شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الوظيفة
* (في عام 1345 هـ عين "محمد سعيد عبد المقصود" مديراً لجريدة أم القرى ومطبعتها).. ولا نعلم شيئاً عن تدرجه الوظيفي الذي يسبق هذا المنصب، ولعل أهمية ومكانة الوظيفة التي عين فيها حجبت الضوء عما قبلها، ولا يهم إن كان يشغل وظيفة "كاتب" أو "محاسب"، فالنشاط الحقيقي الذي عرف به واشتهر، هو دوره الفعال في إدارة وتطوير مطبعة (أم القرى)، وتميز "جريـدة أم القرى" أبـان إدارتـه أو إشرافه عليها.
داخل الصرح:
حقيقة، لا ينسى التاريخ ذلك العشق الذي رسم (محمد سعيد عبد المقصود) آثاره على جدار الصرح الشامخ مطبعة (أم القرى)، فمنذ ارتباطه بها، وهبها كل حياته، وسعى إلى تطويرها حتى غدت ميداناً واسعاً يشتعل بالحركة، والعطاء في مجال فن الطباعـة، كما أصبحت ملتقى الأحبـة ممن يعشقـون (الحرف)، ضم إليها كل من توسم فيه الحب الصادق والعمل الدؤوب. رعاها بكل ما فيها من خامات وآلات بشرية. ومطبعة (أم القرى) من أجل الذكريات لدى كل من عايشها أو ارتبط بها.
شاهد مرحلة:
* في مساء 25/3/ 1403هـ كرمت "الاثنينيه" الشاعر "طاهر زمخشري" يرحمه الله. وكانت فرصة للرجل كي يظهر شوقه وحنينه لتلك الأيام التي قضاها داخل (مطبعة أم القرى) لنتابع ما قاله (1) :
(خطوتي الأولى التي أحسست أني أشعر فيها بطعم الحياة كانت المطبعة الأميرية، "مطبعة الحكومة" في رعاية الشيخ محمد سعيد عبد المقصود، وكنا نخبة من الشباب أذكر منهم على سبيل المثال: الأستاذ عبد الله بلخير (شاعر الشباب)، الأستاذ أحمد ملائكة، والمرحوم عبد الله عريف، وحسين خزندار، ومصطفى كمال، وعبد الكريم مخلص، وحسن الياس. وكنا مجموعة من الشباب المثقف اختارنا الأستاذ (محمد سعيد عبد المقصود خوجه) حوله، وكان يرعانا الرعاية الكاملة، ومن رعايته لي بصفة خاصة أنه أصدر تعليماته بتعييني كاتباً في المطبعة براتب فراش، وكان الكاتب الذي يتقاضى راتب فراش يتولى القيام بعمل الوارد والصادر، ومهمة مأمور المستودع، ومصحح الجريدة وذلك كله مقابل مرتب مقداره 4 جنيهات، آخذها من العم محمد باحمدين يرحمه الله.
وفي تلك الفترة عرفت سبيلي إلى الحياة، وعرفت طريقي إلى العمل، وتعلمت من محمد سعيد عبد المقصود العمل الجاد، فقد كان يسكن في (الخريق) (2) وكانت المطبعة في أجياد وكان أحياناً يتصل بي هاتفياً، ويطلب مني إنجاز عمل ما، فلا أكاد أجمع أوراقي لأنفذ تعليماته، حتى أجده واقفاً أمامي، وقد قدم من منزله من (الخريق).
ويواصل الأستاذ (طاهر زمخشري) سرد ذكرياته: (مشيت المشوار مع محمد سعيد عبد المقصود، وارتبطت بهذا المشوار بالحركة الفكرية، وأنا كنت ناشئاً، كل مؤهلاتي هي المؤهلات التي حصلت عليها من مدرسة الفلاح، فيما يتعلق بالنحو والصرف البلاغة والبديع، وموازين الشعر، ولكنني لا أعرف شيئاً عن كتابة المقالات. وكان السيد رشدي ملحس مدير الجريدة، والأستاذ محمد سعيد عبد المقصود مدير المطبعة يكلفاني بتبويب الجرائد اليومية. على أن الشيء الذي أحب أن أقوله في هذه المناسبة، أن مبادلات الصحف في تلك الأيام خير منها في الوقت الحاضر.. كنت شغوفاً بالقراءة، فبدلاً من القيام بتبويب الجرائد، انهمك في قراءتها، وكان الأستاذ رشدي ملحس، والأستاذ محمد سعيد عبد المقصود يرياني ويتركاني لشأني عدة ساعات وكانا سعيدين بهذا.
وكان لمحمد سعيد عبد المقصود أثر كبير في حياتي.. فبسببه عرفت امتلاك النقود، حيث كانت المطبعة تقوم بطبع تقاويم (أم القرى) وتوزعها على الدوائر الرسمية، وعلى المكتبات، وعلى الأسواق، وتحصل قيمتها فوراً. فدعاني الأستاذ محمد سعيد وقال: المكتبات والدوائر الرسمية، أنت مسؤول عن البيع لها، ومسؤول عن تحصيل قيمة ما تبيعه.
ولقد كانت الكمية التي وكلني بها ما بين سبع إلى عشر آلاف نسخة، وقمت بالفعل بتوزيعها واستحصال مبالغها وتوريدها للمحاسبة، وبعد ما أنهيت عملية البيع وتوريد القيمة أعطاني خمسين جنيهاً ذهباً، فسألته لم هذا المبلغ؟ فقال: هذا مقابل أتعابك في بيع التقاويم بواقع 10٪ من قيمة المبالغ التي تم تحصيلها.
هذه بدايتي في المطبعة.. وقد تعلمت معنى العناد في سبيل الوصول إلى الغاية، تعلمت ذلك من محمد سعيد عبد المقصود، الذي أنشأ مدرسة لتعليم الصف والطبع.. لعدم وجود عمال بالمطبعة واختارني مراقباً لتلك المدرسة، وكان يصرف للعمال مكافآت تشجيعية لرفع مستواهم وتشجيعهم على التعليم، وعين منهم رؤساء للأقسام المختلفة (رئيس قسم الطبع، ورئيس قسم التجليد) واختار نفراً منهم وأرسله بعثة للخارج على حساب المطبعة لدراسة التجليد والصف والطبع.. وكان يخطط لإقامة أكبر مطبعة في العالم العربي، فلا ينفك ليل نهار في اجتماعات متواصلة، ودراسات ثقافية، وإعداد مستمر لإنشاء أكبر مطبعة في العالم العربي، وتعتبر المطبعة الكبرى التي وضع لها الأسس هي العمارة التي تقع في مدخل مكة، والتي فيها الشرطة الآن – سابقاً – ويعتبر العاملون في مطابع مكة الآن معظمهم؛ إن لم يكونوا كلهم من عمال المطبعة التي أسسها محمد سعيد عبد المقصود، وقد أصبح بعضهم الآن أصحاب مطابع مستقلة، وما ذلك إلا بتوجيه الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود.
* كان هذا "طاهر زمخشري" أحد شهود "المرحلة" .. قد كشف لنا – بكل الصدق – عن ملامح عديدة من حياة الرجل وكفاحه، سنتناولها بشيء من التفصيل فيما بعد.
ويهمنا المشروع الكبير الذي خطط به "محمد سعيد عبد المقصود" لإقامة مطبعة كبيرة تضاهي مثيلاتها في العالم، فقد أكد ذلك الأستاذ عبد القدوس الأنصاري يرحمه الله صاحب مجلة المنهل في سياق ذكرياته الجميلة مع الأستاذ محمد سعيد: (عندما توجهت إلى مكة لأداء الحج التقيت بالأستاذ محمد سعيد عبد المقصود ووافق على استمرار طباعتها – أي مجلة المنهل – بمطابع أم القرى، التي أطلق عليها بعد ذلك مسمى "مطابع الحكومة" وقام بمشروع جديد لرفع مستوى الطباعة في المملكة العربية السعودية، فقد أخذ قطعة أرض في باب مكة (البيبان) بطول ربع كيلو متر، وعرض ربع كيلو متر، وخططها وسورها لكي يقيم عليها مطابع الحكومة.. وقد سافر إلى مصر، واتفق مع المطابع هناك، غير أن حدوث الحرب العالمية الثانية أوقف كل شيء ومرض – رحمه الله – وتوفي وحزنا عليه حزناً شديداً) (3) .
في سبيل الأدب والأدباء:
تعتبر إدارة الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود، لجريدة أم القرى ومطبعتها نقطة تحول في تاريخ الأدب والطباعة في الحجاز آنذاك.
يذكر الدكتور عمر الطيب الساسي في كتابه (الموجز في تاريخ الأدب العربي السعودي ما نصه: (وفي سنة 1345 هـ عين محمد سعيد عبد المقصود مديراً لجريدة أم القرى الرسمية ومطبعتها فوهبها حماسه وإخلاصه، وحبه للأدب، وجعلها ميداناً أدبياً ومتنفساً للأدباء الذين باركت حماستهم، ونشرت لهم ما كانوا يكتبون من شعر ونثر في صفحتها، في عهد إشراف محمد سعيد عبد المقصود على تحريرها الذي كان بحق أزهى عهد أدبي في تاريخها على الإطلاق. فقد شجع محمد سعيد عبد المقصود أدباء الشباب آنذاك على الكتابة والحوار الأدبي الحي ونشر ما كانوا كتبوه بحماس ظاهر فحرك الحياة الأدبية بصورة لم يسبق لها مثيل في هذه البلاد من قبل) (4) .
وهذا النص يعكس جزءاً من سلوكيات ثرية بمحامد الأخلاق ومكارمها كان يتمتع بها ذلك الرجل، إنه يأخذ بأيدي الشباب، يشجعهم ويدفعهم إلى التحاور الأدبي النزيه، وينشر لهم ما كانوا يكتبونه، بينما نجد – في زمانه – من زملائه الأدباء، ممن تحامل عليه، وقسا في نقـده لما ينشره في جريـدة (أم القرى) أو جريدة (صوت الحجاز)، وقد وصل الحال إلى (إغراء بعضهم صحيفة صوت الحجاز برمي مقالاته في سلة المهملات) (5) .
* ولم يكن نشاط (المطبعة) قاصراً على إنتاج الأدباء الشباب أو الناشئة، فقد كان محمد سعيد عبد المقصود لا يتردد في مد يد المساعدة للكبار منهم، فقد سخر إمكانيات المطبعة لتدعيم أي جهد يثري الساحة الأدبية بالعطاء الجيد، أو يخدم المجتمع ويصلح شأنه. (فما أن ظهرت مجلة المنهل، وكادت تتعثر بسبب الطباعة وتكاليفها حتى مد محمد سعيد عبد المقصود رحمه الله يده الكريمة إلى صاحب (المنهل) وأنقذ هذه المجلة في بداية صدورها من التعثر، فطبع أعدادها الأولى بمطبعة الحكومة بمكة بإشرافه، كما سجل ذلك كتابةً صاحب المنهل ومؤسسها الأستاذ عبد القدوس الأنصاري يرحمه الله.
لنتابع ما قاله الأستاذ عبد القدوس نفسه عن هذا الموقف النبيل: (بعد أن كثرت المقالات والقصائد والتشجعيات، خاصة من الأخوين الكريمين العامودي ومحمد سعيد عبد المقصود، والسيد محمد شطا وغيرهم من شباب مكة، رأيت أنه من الحكمة والروية أن أبدل المطبعة، فكتبت إلى الأستاذ عبد المقصود، وعرضت له حالة المجلة وحالتنا في المدينة، فجاءني كتاب منه يرحب فيه بطباعة مجلة (المنهل) لديهم في مطابع أم القرى وأرسلت له مواد المجلة في البريد الرسمي، فلم يتوان – رحمه الله – وقام بطباعة العدد الرابع من مجلة المنهل طباعة أنيقة على ورق أبيض صقيل، وغلاف جميل، وهكذا ظلنا نوالي طبعها بمطابع أم القرى، وكنا نسدد ما أمكن تسديده من تكاليف الطباعة) (6) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1069  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 13 من 111
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.