تقديـم |
الحمد لله حمداً يليق بجلاله وعظمته، والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة، معلم الكتاب والحكمة، المبعوث إلى خير الأمم، وعلى آله وصحبه، مفاتيح الحكم، ومصابيح الظلام. |
أما بعد: |
فإن الإنسان ليجد في قراءة السير الذاتية للنماذج المضيئة في المجتمع، متعة للنفس، وتهذيباً للفكر، ودروساً وعبر مستوحاة من مجريات الأحداث والوقائع التي عاصرتها تلك النماذج الراحلة، أو التي لم تزل بيننا. |
وعند قراءتي لكتاب "محمد سعيد عبد المقصود خوجه – حياته وآثاره" للدكتور محمد بن سعد حسين، لمست تلك المتعة والفائدة. |
كان عملاً جليلاً أخرجه لنا أستاذنا الدكتور بعد تجشمه معاناة البحث وجهد التنقيب، فقد رسم لنا الملامح الأولية عن حيـاة "محمد سعيد عبد المقصود" - يرحمه الله – بما تيسـر لـه من قراءات أو لقاءات مباشرة، وقدم لنا نماذج منوعة من آثاره الأدبية والتاريخية والصحفية. |
ولم يعمد الباحث الفاضل إلى الحديث عن عصر "خوجه" - يرحمه الله – بما تيسر له من قراءات أو لقاءات مباشرة، وقدم لنا نماذج منوعة من آثاره الأدبية والتاريخية والصحفية. |
ولم يعمد الباحث الفاضل إلى الحديث عن عصر " خوجه" لسببين ذكرهما في الكتاب: |
الأول: أن هناك من الكتب والمؤلفات ما تحدث عن هذا العصر. |
الثاني: أن مثل هذا الحديث يحتاج إلى شيء من البسط، وهذا ما ادخرنا – كما يقول – لكتابنا المنتظر إن شاء الله. |
كما لم يتناول بالإطالة الحديث عن البحوث والمقالات التي نقلها إلى الكتاب بعد انتقاء موفق من صحيفتي "أم القرى" و "صوت الحجاز"؛ مكتفياً ببعض التعليقات التي وصفها في كتابه بأنها (وجيزة بين يدي كل قسم، متجنباً الدرس والإطالة في الحديث إلى حين فراغي من البحث عما يمكن أن يكون قد ند عن يدي الآن من مقالات الرجل). |
وقد مضى على إصدار هذا الكتاب فترة طويلة من الزمن؛ حيث ظهر في طبعته الأولى عام 1404 هـ – 1984م ضمن سلسلة "الكتاب العربي السعودي" (104) – الناشر تهامة – وحتى كتابة هذه السطور (1418 – 1997م) لم يصدر الجزء الثاني "المنتظر". |
كل ذلك لم يقلل من أهمية هذا الكتاب الذي حقق – بلا شك – فائدتين ذكرهما المؤلف: |
أ - التعريف بالرجل الذي زهد في التعريف بنفسه في حياته، وصدف مزامنوه ومن أتى بعده عن التعريف به وقضاء حقه عليهم. |
ب- جمع جملة من بحوثه ومقالاته في شتى المعارف وتصنيفها في مباحث خمسة هي: الأدب، والتأريخ، والتربية والتعليم، والاجتماع، والنقد والمناقشات ثم وضعها بين يدي القراء. |
قرأت الكتاب قراءة متأنية؛ فانتصبت في مرآة الألمعيَّة – أمامي – شخصية متميزة تمثل أديباً لَوذَعيّاً لم ينلْ حقه من الشهرة كاتباً، وباحثاً، وصحفيّاً لامعاً شغل الصحافة في زمانه، وأشعل فتيل مصباحها بما دبّجته براعته من مقالات جادة حركت الراكد، وأثارت الجدل، وجلت حقيقة الحوارات النزيهة أو الهزيلة التي كانت تقوم بينه وبين رصفائه أو خصومه. |
واشتد إعجابي بهذه الشخصية الأدبية حين تابعت ما نسجته من مقالات تحت توقيع "الغربال"، الأمر الذي دفعني لإمتاع قارئ جريدة "الندوة" معي في متابعة هذا الأثر القيم، فخصصت زاويتي الأسبوعية (مخاض الحرف) للكتابة عن انطباعاتي حول ما كتبه الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود في الأدب والتاريخ والاجتماع، معتمدا على ما ورد في كتاب الدكتور ابن حسين، وتواصلت الحلقات حيث وجدت نفسي في غمار أحداث متلاحقة، دفعني الغربال إلى متابعتها فكرياً. |
وتجذر الإحساس في الوجدان يحمل حقيقة واضحة تؤكد (أن هذا الرجل يكتب بفكر ثاقب، يعكس الحاضر، ويستشرف المستقبل، فقديمه لم يزل جديداً نعايشه ونسعى إلى معالجته) وهذا سر عبقريته، وعندما نمت في خاطري فكرة إعداد دراسة تمثل قراءة واعية في حياة وآثار الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود خوجه – لتقديمها للناس نموذجاً نستمد من معطياته الفكرية والعملية ما نحسب فيه النفع والصلاح – توكلت على الله. |
وبدأت في رسم الخطوط الأولية للدراسة على النحو التالي: |
1- مقدمة موجزة عن العصر الذي عاشه صاحب (الغربال) تشمل الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية (في أوائل منتصف القرن الرابع عشر الهجري) وتعكس حياة المجتمع المكي آنذاك. |
2- متابعة لحياة الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود (طفولته، دراسته، وظائفه). |
3- إبراز دوره في مخاض الحركة الأدبية، عبر الصحافة الأدبية، وفي نَدِيِّ زملائه ومريديه. |
4- الطباعة والصحافة والأثر الذي تركه في هذين المجالين الحيويين. |
5- (الغربال) الذي أشعل الساحة الصحفية بمقالاته الجريئة، وقراءة متأنية للمقالات التي كتبها محمد سعيد عبد المقصود تحت هذا الاسم المستعار. |
6- معارك الغربال مع خصومه. |
7- ما قيل عن محمد سعيد عبد المقصود بعد وفاته يرحمه الله. |
8- إعداد تراجم لبعض من ورد ذكره في هذه الدراسة للتعريف قدر الإمكان بالأدوار التي قاموا بها، وتراجم لرواد آخرين من عصر (الغربال ) كانت لهم أدوار بارزة. |
ومن الطبيعي أن ألجأ إلى المصادر والمراجع للبحث والتنقيب عما كتب حول هذه الخطوط التي رسمتها للعمل، وأولها كتاب الدكتور الفاضل محمد سعيد بن حسين الذي اعتمدت عليه كثيراً في نقل مقالات "الغربال" التي كتبها في صحيفتي (أم القرى) و ( صوت الحجاز)، والعودة عند الحاجة إلى المصدر الأصلي ثم الكتب التي تناولت النشأة الأولى للصحافة السعودية ومن أهمها: كتاب (نشأة الصحافة في المملكة العربية السعودية) للدكتور محمد عبد الرحمن الشامخ، و (معجم المصادر الصحفية لدراسة الأدب والفكر في المملكة العربية السعودية) للدكتور منصور إبراهيم الحازمي، وغيرها من المؤلفات القديمة والحديثة التي يجدها القارئ في (ثبت المصادر والمراجع). |
ومما سهل مهمتي في متابعة الأحداث والتعليق عليها.. أني لم أكن بعيداً عن (الزمان والمكان) اللذين يمثلان مجريات الحياة اليومية التي عاشها صاحب (الغربال) فقد ولدت في مكة المكرمة عام 1361هـ وتوفي الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود عام 1360هـ، وهذا الفارق الزمني الضئيل لا يفصلني أو يبعدني عن الواقع المعاش آنذاك. |
ولو أطلقت خيالي للأمس البعيد لوجدت رسم الطفولة ماثلاً أمامي يعكس بوضوح ملامح الحياة المكية القديمة بما فهيا من صور متباينة تمثل إنسان تلك البيئة وتفاعله البطيء أو النشط في تعاملاته اليومية. |
ذاكرة الطفولة لم تزل – ولله الحمد – تحتفظ بصور ذلك الماضي العتيق. بيئة يلفها السكون، ويكسو ملامحها الرضى والطمأنينة - منازل شعبية من الحجـر والطـين أو الصفيح، متناثرة في الأحياء الشعبية مثل حي "المعابدة" وفي بعض الشعاب المجاورة ومساكن ذات أدوار لا تتجاوز الأربعة تحيط – في تجاور حميم – بالحرم المكي الشريف. |
أسواق عتيقة مليئة بكل ما يُشتهى من حاجيات ضرورية وكمالية، ذات عبق تاريخي مهيب تلاصق جدار الحرم، وتتوهج حركةً ونشاطاً في موسم الحج، وفي الليالي التي تسبق عيد الفطر المبارك. أذكر مواقعها في (سويقة، والمدَّعى، الجودرية، المسعى، السوق الصغير، الشامية، القشاشية.. وغيرها). |
وأجناس شتى، لا تلمح في وجوهها أثر الغربة، فالمكان تهوي إليه جميع الأفئدة المؤمنة بربها عز وجل، والعلاقة فيما بينها مودة وتقارب ورحمة. |
كل تلك الرؤى والأنفاس تقربني من (صاحب الغربال) لتلهمني وحي تلك الأيام التي تحدث عنها لعلي أضيف شيئاً يستحق الذكر. |
وفي خضم البحث والاطلاع والتحقيق في أجواء الماضي، حلت مناسبة كريمة جمعتني بصاحب (الاثنينيه) الأدبية الأستاذ الفاضل "عبد المقصود خوجـه" نجل الأديب "محمد سعيد عبد المقصود" -يرحمه الله– حيث أبدى سعادته بالعمل الذي أقوم به، وتفضل مشكوراً بتزويدي ببعض الوثائق والمعلومات القيمة، وأظهر استعداده لما يلزم عملي لكي يرى النور في أقرب وقت، ولا غرابة في بادرته الكريمة هذه، فقد سبق أن تولى نشر العديد من الأعمال لرواد الأدب الأفاضل، فجزاه الله خيراً. |
وفي الختام، كلمة "شكر عرفان بالجميل" أزجيها لكل من دعم فكرتي، وساند خطوتي لكي يتم هذا العمل في الصورة التي آمل أن تكون مرضية لدى القراء، وأخص بالشكر والتقدير كلاً من الزملاء الأفاضل: |
1- الأستاذ الشاعر "فاروق صالح بنجر" الذي شد من أزري، وزودني ببعض المراجع النافعة، وأرشدني بما أفاء الله عليه من علم في اللغة والأدب. |
2- الأستاذ الصحفي "محمد أحمد الحساني" حين عرضت عليه الفكرة، أطلق شرارة البدء في تنفيذها وبارك الخطوة بعبارات مشجعة. |
3- أخي وزميلي الأستاذ "إبراهيم أحمد كيفي" لمساهمته وتزويدي بالمعلومات المتعلقة بتراجم العلماء والأدباء. |
4- الأستاذ " بلغيث حمد القوزي" الذي لم يبخل علي بتوجيهاته ونصحه. |
5- أخي وصديقي ابن مكة البار (فيصل محمد عراقي) الذي زودني ببعض الصور النادرة من كتابه القيم (الطوافة والمطوفون) |
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين |
|
|
|