شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حوار... هناك... قرب القطب الشمالي
حول سيرة الملك عبد العزيز صقر الجزيرة العربية
واستمرّ الاجتماع سحابة ذلك اليوم لم يتخلّله إلا أداء الصلاة في أوقاتها، ثم قال لنا مضيفنا: تفضّلوا وألقوا نظرة على غرفة نومكم، عسى أن تجدوا فيها راحتكم.
ودخلنا الغرفة فإذا بسريرين متلاصقين وخزانة كبيرة للملابس، ونافذتين للغرفة تدلّت عليهما ستائرهما، وحمام مدخله من داخل الغرفة، فأصبحت به الغرفة دار ضيافة كاملة، وعندما ألقيت النظرة الأولى على الغرفة وهم معنا يلاحظون انطباعنا عنها، خوفاً من أن نصرّ على الانتقال إلى الفندق، قال لي الأستاذ حبيب الرحمن: الحمام ها هنا كما ترى، والقبلة في هذا الركن. وكنت في أحاديثي الأولية معه قد سبرت غوره فألفيته عالماً وفقيهاً ونحويًّا متضلّعاً في كل هذه العلوم، أدهشني بما سمعت ورأيت، فما كنت أتصوّر أن ألقى في سطح الدنيا عالماً جليلاً على ما رأيت الإمام حبيب الرحمن، فابتسمت له ولا نزال واقفين وقلت له: يا مولانا أنت حنفي، قال: أنا والله حنفي في الفروع، أما في الأصول فأنا لا أتقيّد بمذهب من المذاهب الأربعة، قلت له: أردت بسؤالك، وبما أرشدتني إليه من أن الحمام هنا والقبلة ها هنا التنويه بما قرأته في رحلة الإمام الشافعي من مكّة إلى المدينة المنوّرة لأول مرّة في حياته ولم يكن الشعر قد نبت في لحيته، فقد كان يومئذ في نحو الرابعة عشرة من عمره وجاءته رحلة مرتجلة "مجانية" من مكة إلى المدينة المنورة، فتشوّق إلى زيارة المدينة ولقاء عالمها ومحدثها في زمانه الإمام مالك بن أنس، شيخ دار الهجرة، فقد وصف في كتيب نسب إليه تلك الرحلة حتى جاء إلى لقائه بالإمام مالك بعد أربعة عشر يوماً من السفر في قافلة من قوافل الحجاج، وتعرّف على الإمام مالك فور وصوله إلى المسجد النبوي، وحضر درسه الأول وقام يسلّم عليه بعد الدرس فيمن سلّم عليه، وكان الإمام مالك قد لاحظ أنه غريب وحديث السن، فاستنسبه وسأله: أحرمي أنت – أي من الحرم المكي – فقال: نعم! فقال: وما اسمك؟ قال: محمد بن إدريس بن شافع، فعرف أباه وجدّه، وقال له: أنت ضيفي... وبعثه بعد صلاة المغرب مع خادمه وقال للخادم: ريثما أتسنّن خذ الضيف إلى البيت وأرشده إلى غرف جلوسنا وسأجيء بعد ذلك، فروى الإمام الشافعي أنه انطلق من باب الحرم النبوي مع خادم شيخه بعد ذلك مالك بن انس حتى فتح له الخادم باب دار مالك بن أنس، ثم أشعل السراج ثم أرشده قبل أن يجلس إلى مكان الجلوس، ثم أشار بعد ذلك له إلى الحمام وقال له: الحمام هذا، وأشار إلى مكان القبلة في البيت، وقال له: القبلة هذه، وسيجيئك مالك بن أنس بعد قليل.
فهم الأستاذ حبيب الرحمن مغزى ما رويته من رحلة الشافعي، وما أشار به الخادم لضيفه من أن الحمام هذا والقبلة هذه، وقد كان ذلك مطابقاً لما قاله لي الأستاذ حبيب الرحمن ونحن في القطب الشمالي ولم يكن قد قرأ رحلة الشافعي هذه، وما جاء فيها ممّا طابق ما قاله لي وهو واقف من أن هذا الحمام والقبلة ها هنا.
وفرح الأستاذ حبيب الرحمن فرحاً شديداً لما سمع من هذه الواقعة بين ما أخبرني به وما ذكرت له أن خادم الإمام مالك قد أخبر به الإمام الشافعي.
وسرت في الرجل رعشة وانتشى وفرح بأنه قد وجد من سيحدّثه عن مثل هذه الأمور وهو منقطع في آخر القطب وحيداً في علمه ولغته العربية، لا يشاركه في ذلك أحد من إخوانه المسلمين أعضاء تلك الأقلية الإسلامية في تلك البلاد، وقال لي: هيّا الآن إلى مكتبتي لتطلع عليها، ودخلنا غرفة واسعة اكتظّت بالكتب وأجزائها ومجلّداتها صففت أكثرها في رفوف تكاد أن تنقض بحملها، وكدست زواياها وأركانها بمئات من تلك الكتب والمجلات والصحف، وبعضها منسّق وأكثرها لا سبيل إلى تنسيقه لعدم وجود المكان المتّسع لمثلها.
وجلست على كرسي دوّار حول السراج الكهربائي المعكوف على مكتبه، وجلست أمامه وتركت للسيدة ريحانة الفرصة للجلوس مع زوجتي في صالون الاستقبال، وتابعت أسئلتي مكملاً بها الأسئلة السابقة، وبدأت أجوبة الشيخ عليّ فيما أسأل.
قال لي: هذه الكتب التي تراها في الرّف الثاني جاءتني هدية من الإمام عبد العزيز بن سعود، فكانت مفاجأة لم أكن أعتقد أنني سأسمعها منه وفي هذا المكان.
قلت له: وكيف تحصّلت على هذه الهدية؟ قال: كنت مشتركاً في مجلة "المنار" أستفيد من التفسير الذي كان ينشره فيها صاحبها الإمام محمد رشيد رضا، وأقرأ فيها أخبار العالم الإسلامي، وكل ما أعرفه عن المملكة العربية السعودية وعن الإمام عبد العزيز ودولته كان بواسطة مجلة "المنار" وهذه أعدادها تعدّ بالعشرات في هذه المكتبة، وعندما نشرت "المنار" أن الملك عبد العزيز قد طبع في مطابعها أُلوفاً من الكتب في التفسير والتاريخ والتوحيد، كتبت للملك كتاباً، أطلب منه كل ما كان يهديه ويوقفه على طلبة العلم، في العالم الإسلامي، وبعد شهر جاءتني منه هذه الرسالة، وتناول ملفاً فيه مجموعة من الرسائل، وبحث بينها عن هذه الرسالة ومدّ بها يده إليّ، فألقيت نظرة على رسالة الملك فإذا بها نفس الرسائل التي أعرف كيف كان الملك عبد العزيز رحمه الله يأمر من يمليها عليه، ثم تطبع على ذلك الورق الرسمي، ثم تعرض على الملك فيختمها بختمه ثم ترسل إلى الجهة التي أُرسلت إليها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :583  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 163 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج