شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عودة إلى هلسنكي
لأعود الآن من "زغرب" مرة أخرى إلى "هلسنكي"، فأشير إلى الجوانب الاجتماعية الأخرى التي لاحظتها على تلك الأقلية المسلمة هناك، وقلت إنهم كانوا يحرصون على دعوتي مع عائلتي إلى بيوتهم، وقلت إن جدران غرف تلك البيوت مزيّنة بلوحات من القرآن الكريم أو سجادة للصلاة عليها رسم عليها الحرم الشريف أو المسجد النبوي، وكيف يكون الحديث في الجلسات، كلّه يكاد أن يكون عن أحوال الإسلام والمسلمين، وتسأل النساء ويسأل الرجال أسئلة عمّا يشكل عليهم من أمور موقف الإسلام من المرأة ومن الطلاق ومن تعدّد الزوجات ومن الحجاب، وهي الأسئلة التي يموج بها العالم الإسلامي في كل مكان.
ولكني لم أرّ بينهنّ من كانت في أسئلتها على شيء من الحدّة في النقد أو التحدّي في الجدل، بل كنّ مستفسرات استفسار المستفيد لما يريد أن يستفيده مع سبق إيمانه بصدق ما سينقل إليه عن النظرة الإسلامية الصحيحة فيما أشكل عليه.
وكنت أتجوّل في الأسواق، ويكون معي في الغالب واحد من هؤلاء الإخوان، وكنت أزور كل متجر من المتاجر التي أجد اسم صاحبه مكتوباً باللغة العربية ثم باللغة الفنلندية، فلا يرونني حتى يرحّبوا بي ويفسحوا لي المجال في زيارتي، ويأتي بعد ذلك الشاي المرّ بدون سكر على الطريقة الروسية، ويدور الحديث كلّه بالإنجليزية تقريباً لعدم معرفتهم باللغة العربية.
ذكرت أن أكثر أغنياء هذه الجالية الإسلامية الفنلندية تجارة هم من يتعاطون تجارة جلود "الفرو" من الدببة والنمور والثعالب والقطط الوحشية والأرانب وغيرها من الحيوانات البريّة، التي يقوم صيّادها في تلك البلدان القطبية باصطيادها في المواسم المحدّدة لها، ثم يبيعون جلودها بعد سلخها وتصبح لتجارة هذه الجلود في فنلندا وما جاورها من البلدان الاسكندنافية وما شرق عنها نحو الجنوب من دول البلطيق وبولندا، ثم جميع ولايات الاتحاد السوفييتي الشمالية، تقام لهذه التجارة أسواق سنوياً ومعارض شهيرة لها هواتها من الغرب ولها أماكن عرضها الثابتة في مثل "لينين غراد" و "موسكو" و "كييف" وأمثالها، ولهذه التجارة منشوراتها المصوّرة ومجلاتها تطبع بمئات الألوف، ويشترك فيها هواة هذا الصنف من المعاطف والملابس وتجارها في جميع أنحاء العالم.
ويذهب كبار تجّار الفرو المسلمين في فنلندا في مواسم تلك المعارض إلى أماكن إقامتها ويشتركون فيها، ويتبضعون منها ويموِّن كل واحد منهم متاجره بما يلزمه على طول عام وأعوام، وقد علمت من أصدقائي الثلاثة عثمان علي وحيدر علي وعبد الله علي، وليسوا إخواناً، ولكن يجمعهم اسم علي من باب التبرّك، وعلمت أنهم يعتمدون في نشاطهم التجاري على وكلاء لهم في روسيا يكونون هم أيضاً وكلاء لهم في "فنلندا"، وعلى هذا تقوم تجارتهم وسعادة حياتهم، فلهم في ضواحي هلسنكي حيث الأحياء السكنية الراقية دور وارفة الظلال كثيرة الحدائق مجلّلة بالزهور، وحمامات "البخار" المعروفة الآن للناس أو "السونا" هي لازمة من لوازم كل بيت في بلاد إسكندنافيا لا يخلو من إحداهما منزل، ولهم في ذلك طرق متشابهة يختلف بعضها عن بعضها بالغنى والرونق والجاذبية، والاستمتاع، ولقد نعمت بها في بعض المرّات ولكني خالفتهم في اتّباع طريقتهم، وهي أن يبقوا مدداً طويلة في بخار تلك الحمامات حتى يعرقوا عرقاً كثيفاً متساقطاً من جميع أجزاء أبدانهم، ثم يفتحوا باب غرف الحمامات أو السونا فجأة، ويقذفوا بأنفسهم إلى مياه البحيرات الباردة جداً إذا كانت تلك البحيرات مجاورة لمنازلهم، أو يتقلبوا إلى مغاطس شبه مثلجة في غرف مجاورة للحمامات المشار إليها.
فيخرج الرجل أو المرأة أو الطفل من مثل هذه العملية، وهو شبه مقشور ومسلوق كقرون الجزر، وبمناسبة ذكر البحيرات ففنلندا أعظم بلاد في العالم محتوية على آلاف البحيرات بين عظيمة وكبيرة ومتوسّطة وصغيرة، تتجمّع مياهها العذبة من ذوبان الجليد الذي يغطّي هذه البلاد وما حولها أكثر شهور العام، حتى يأتي الربيع والصيف، وهي في الربيع والصيف جنّة ورافة الظلال عابقة الأزهار شديدة الخضرة نضرة الروابي والتلال، وشلاّلاتها في مساقطها روعة من الروائع التي ينعم بها من زار تلك البلاد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :502  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 160 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج