شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العشاء في ضيافتي
قال لي: أين أنت الآن؟ فقلت له: في فندق "كوننفس هوف". قال لي: إذن العشاء الليلة في ضيافتي، وسأجيئك في الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم، وجاء الدكتور حمدي فإذا به كما قال هو نفسه بشحمه ولحمه، وكان عناق حار بين الصديقين اللذين باعدت بهما الأعوام، وقضينا أربع ساعات في العشاء والأحاديث، عرفت منه أنه قد أنشأ داراً للطباعة والنشر تحتوي على أحدث المطابع للإنتاج الملوّن العصري الحديث، وأنه يحرّر صحيفة "الشرق" الأسبوعية باللّغة العربية، ومجلة باسمها أيضاً باللغة العربية، ومجموعة من المجلات الأخرى بالألمانية وببعض اللغات الشرقية، وأنه يبني داراً جديدة تكون محتوية على مطبعة وغرف تحرير، وأنه… وأنه... إلى آخره. وكل هذا النشاط يقوم على ضفاف نهر الراين من تلك المدينة، وقال لي إن الغداء غداً سيكون في مكتبي في دار "الشرق" وهكذا كان. الدار كانت تهيّأ لتكون على الضفة المقابلة لكولون على ضفة نهر "الراين" في أوسع جهاته التي يمتدّ عليها الجسر الشهير بجسر "كولن".
وعادت الصداقة إلى ما كانت، وبقينا نتصل في مواسم الصيف في كل عام تقريباً، ودعوته باسم الحكومة السعودية، وقد أصبحت وزيراً للإعلام فيما بعد، ليقوم بزيارة للمملكة يتعرف عليها ويقوم بالتعريف عنها في مجلاّته وصحفه ومطبوعاته، فقد كان على صلة ودّية وحميمة بالسفارات العربية كلّها في بون، وقد جاء إلى جدة فزارها وزار الرياض وبقي فيها أسبوعاً، قدّمته لجلالة الملك فيصل، ثم تنقل بين المدن الأخرى وعاد (أبو رعد) وهذا اسم ابنه، وله بنتان علياء وليلى، وقد التفوا حول أبيهم ترأسهم أمهم السيدة الكاتبة والمديرة لمشاريع الأستاذ، السيدة "ألزا حمدي الخياط".
ذكرت سابقاً الداعية الإسلامي المغولي التتري من مقاطعة سيبيريا في شرقي الاتحاد السوفييتي، وذكرت أنه من قرية صغيرة هناك تسمى "تارا"، واسمه الحاج عبد الرشيد إبراهيم، وأسهبت الكلام عليه بما سمعت وعلمت. وما دام أن الشيء يذكر فلعلّ من المستحسن أن أذكر داعية إسلامياً آخر، كان مجال دعوته ماليزيا وأندونيسيا وما جاورهما من أقطار فيها أقلّيات إسلامية مبعثرة، ذلك هو الحاج عبد الحليم الصديقي من مسلمي الهند وخيرة علمائها، وقد كان له مجال آخر للدعوة وهو ولايات الهند قبل أن تقسم ثم شرق أفريقيا حتى أقاليم أفريقيا الجنوبية الغربية، وبالإضافة إلى ماليزيا وسنغافورة وما حولها، كان هذا قبل الحرب العالمية الثانية، وكان الرجل مخلصاً في دعوته مجدًّا في العمل من أجلها، وهو يلتقي في هذا المضمار في ألوان شتّى من مظاهر الدعوة مع من تحدّثنا عنه الحاج رشيد إبراهيم، إلاّ أن لكل شيخ منهما طريقة، ووجهة تتلاقى في أصولها وتتباين وتختلف في فروعها، فيلتقيان في الإخلاص وحبّ الرحلات إلى الأقطار المختلفة وتفقّد أحوال الأقليات الإسلامية فيها والاهتمام بشؤون أهلها كأندونيسيا وماليزيا، ويلتقيان في انفتاح الفكر على وسائل الصحافة والإعلام والنشر. فكما كان الحاج رشيد عبد الحليم الصديقي يؤمن بجدوى ذلك ويكتب، ويكتب أعوانه الشيء الكثير في صحف كل بلاد يحلّ بها عن أحوالها، وشؤونها، وحال المسلمين فيها وتعريف الناس بهم.
ذلك النمط من الدّعاة في العالم الإسلامي عبر عصوره وقرونه كان عجيباً، فلقد ظهر مئات منهم في كل مكان ممن غيّروا تاريخ البلدان التي ينتمون إليها أو يتجوّلون فيها، وهدى الله بهم خلقاً كثيراً، وكُتب الدعوة والرحلات والسيرة مملوءة بأسمائهم وأخبارهم، وبما أصبحوا عليه.
الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب الداعية في قلب جزيرة العرب يعدّ في القمة بين هؤلاء، لأن دولتين سعوديتين قد قامتا على دعوته، وهي الدعوة السلفية الصافية، الدولة الأولى ثم الدولة الثانية الحاضرة.
والدعوة السنوسية قام بها الدعاة الأوّلون في أقطار ليبيا بعد أن قدموا من المغرب الأقصى، والدعوة الإدريسية كانت مثل ذلك على تفاوت كبير بينها وبين ما يذكر من الدعوات الأخرى في هذا المجال.
ودعوة الإمامين عبد الحميد بن باديس وشيخنا محمد البشير الإبراهيمي في الجزائر انبثقت من مساجد قطرهما في "سطيف" و "قسطنطينة"، ثم نمت وانتشرت وأعادت إلى الجزائريين ما فقدوه أو انحرفوا عنه تحت ضغط الاستعمار واستبداده وقسوته وحربه، حتى لقد حرّم عليهم وعلى المغاربة في كثير من مظاهر الحياة تعلّم اللغة العربية وكتابتها.
وفي الهند دعاة مسلمون كثيرون، وفي حضرموت واليمن مئات إذا لم نقل ألوفاً عبر القرون المنصرمة من أولئك الدعاة المتواضعين المتّقين المتقشّفين الصادقين الذين جابوا بعض الأقطار الإسلامية في شرق أفريقيا وجنوبها وفي أطراف الهند الشرقية الجنوبية، مثل قطر "مليبار" ثم في "ماليزيا" و "سيام" و "أندونيسيا" بأسرها، والجزر المتناثرة بينها وبين الفليبين كولاية "صباح" و "بروني" التي ينتمي سلطانها إليهم، ثم في الفليبين الجنوبية حيث كان لهم صولة ودولة ودعوة منتشرة لا يزاحمهم فيها مزاحم.
وكان في تلك الأصقاع ماليزيا وأندونيسيا والفليبين وما حولها من جزر بضع عشرة سلطنة، يتولاّها من يرجع بأصوله إلى حضرموت من الحضارم المهاجرين إليها للتجارة أوّلاً، ثم نجم عن ذلك الدعوة الطبيعية التلقائية العفوية في نشر الإسلام بين سكّانها، حتى إذا ما اشتهروا بالاستقامة والصلاح زوّجهم بعض سلاطين تلك الأقطار بناتهم تشرّفاً بإسلامهم ونسبهم، ومن مواليد هذا الزواج من بنات السلاطين يجيء الكثيرون ممّن تولّوا السلطنة بعد آبائهم، قد نذكر ولاية "فرلس" و "قدح" في شمال "ماليزيا" وولاية "جوهور" في جنوبها، وولاية "فونتاينك" في أندونيسيا، وجزائر "الملوك" و "التمور" في شرقها، وبعض سلاطينهم في بعض بلدان الهند وجنوب الفليبين في أرخبيل "مندانو" وما حفّ بها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :694  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 153 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج