شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
في مكتب الدكتور المنجد
كان مكتب الدكتور المنجد مجمعاً للعلماء والكتّاب وللوافدين إلى بيروت، يبحثون عن نوادر المخطوطات وفرائد المطبوعات وهو يستقبل الجميع من زوّاره، ويتحدّث إليهم ويرشدهم إلى ما يسألون، ويزوّدهم بالمطبوعات الحديثة بين كؤوس الشاي، وطرفه وملحه.
قال لي الدكتور المنجد: هل تعلم قصة صديقنا فخري بك التي أفضت به إلى مستشفى الجامعة حيث كنّا نزوره جميعاً؟ قلت له: لا… قال: وصل من الشام منهك القوى في شيخوخة متعبة كما رأيتها، ونزل في فندق (بسول) الواقع في محلة "الزيتونة" مستقبلاً البحر، وكان هذا الفندق عندما أسّس في القرن التاسع عشر، أفخم فندق في مدينة بيروت، في أواخر العهد العثماني، ينزل فيه كبار ضيوف الدولة ومنهم الإمبراطور غليوم إمبراطور ألمانيا الشهير في زيارته للشرق الأوسط بدعوة صديقه السلطان عبد الحميد الثاني لزيارة إسطنبول ثم زيارة القدس.
إذن كان فندق "بسول" هذا كما قلت أفخم فندق إلاّ أنه في أوائل القرن العشرين، قد سبقته مدينة بيروت بعدد كبير من الفنادق الفخمة، فأصبح فندقاً من الدرجة الثالثة، إذا لم نقل الرابعة، تردّى في أكثر مظاهره، ولم تكن حالة الأستاذ البارودي المالية تستطيع أن تنزله في سواه، فقد كان في عجز مالي وحاجة مخيفة لا يخبر بها أحداً ويتستّر عليها عن كل الناس إلاّ عن صديقه كامل مروّة الذي يشمّ الأمور شمًّا.
قال لي الدكتور صلاح المنجد ونعود إلى صلة ما بدأ الخبر به عن مرض البارودي، هاتفني في منتصف ليلة من الليالي فخري بك، وكنت في بيتي نائماً يقول لي: الحقني يا صلاح! فأنا في نوبة حادّة، فجاءه جوابي بأنني سأصل إليك بعد ربع ساعة، وما أعرف كيف لبست ملابسي وانطلقت إلى فندق "بسول" الذي قد زرته فيه فور وصوله من الشام، ودخلت على الرجل فوجدته في سريره وبين جدران غرفته الرطبة بعد منتصف اللّيل، وصاح بي:
الحقني يا صلاح بطبيب، وفي بيروت يعرف الكل أن طبيب الإسعاف الليلي في مستشفى الجامعة الأمريكية هو الذي ينجد المرضى في مثل هذه الحالات المفاجئة، فاتّصلت بذلك القسم هاتفياً من الفندق، وجاءني الجواب من الطبيب المناوب، وكنت أفكر كيف أُقدِّم فخري بك إلى هذا الطبيب، فقد نسي الجيل الصاعد زعماء عهد النهضة العربية ودعاتها، ورجالاتها، ولكني قلت للطبيب المجاوب من الطرف الثاني: يا دكتور، أنا أخاطبك من فندق "بسول" حيث ينزل الزعيم العربي فخري بك البارودي، وهو كما تعلم من رجالات العرب ومشاهيرهم، ونحتاج إلى نجدة مستعجلة منك الآن، فنوبته قوية، ولم أكد أنتهي من هذه الجملة، حتى قال لي: لا أستطيع مغادرة المستشفى ويمكن لك أن تتصل بسواي، قال: وفكّرت في طبيب عربي آخر، فذكرت له ما ذكرته لزميله الأوّل، فاعتذر وقال إنه لا يجد وسيلة مواصلات لمجيئه إلى ذلك المكان في مثل هذه الساعة، وسألت قسم الاستعلامات في مستشفى الجامعة عن دكتور آخر، فذكرت لي الموظفة اسم دكتور عرفت من سماع اسمه أنه غير عربي وإنما مستعرب، فأخذت رقم هاتفه، واتّصلت به في بيته ولم أكد أقدم له فخري بك البارودي حتى قال لي: نسمع به ونعرفه، وسأكون عندك بعد ثلاثين دقيقة.
ولم تمضِ الثلاثون دقيقة حتى كان الرجل يدخل علينا في غرفة فخري بك حاملاً حقيبته ويقعد إلى سرير المريض بعد سلام خاطف، قال لفخري بك: أرجو أن تكون بخير، ومدّ يده لجسّ نبضه ثم فتح الحقيبة وأخرج سمّاعته وكشف عن صدر الرجل وعن ظهره واستمع إلى ما اعتاد أن يستمع إليه، وقاس حرارته، ثم التفت إليه وهو يقول له: إن شاء الله بسيطة! ثم التفت إليّ فقال لي: إنه يحتاج إلى نقل مستعجل إلى مستشفى الجامعة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :686  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 148 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.