شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مظاهرة أمام آل البكري
وكم كانت سعادتي في الساعة التي وصلت فيها إلى الشام، وتوجّهت إلى القنصلية السعودية لأوّل مرة وكانت في شارع "الحلبوني"، أن وجدت أمام دار "آل البكري" وهي واقعة قريباً من مدخل ذلك الشارع إحدى تلك المظاهرات الصاخبة بأهازيجها، وهتافاتها ضدّ الاستعمار وعرضاتها، فما وجدت نفسي إلاّ واثباً من السيارة منغمساً بين الجماهير، أهتف كما يهتفون، وأصيح كما يصيحون وأرتجز بما يرتجزون، فقد كنت في مكة أقرأ الصحف عن المظاهرات ضدّ الاستعمار في مصر وفلسطين والأردن وسوريا، وأتحرّق شوقاً عسى أن يسعدني الحظ بأن أُشارك يوماً ما شباب تلك البلدان، وأفرغ ما كان يمتلئ به صدري ولا ينطلق به لساني من حماس ووطنية عربية في مثل ما يفعلون.
لهذا عندما رأيت تلك المظاهرة – وكان أوّل عهدي بمثلها وهي أمام دار آل البكري وتملأ جوانب الساحة هزجاً وصخباً – لم أجد نفسي إلاّ بينهم كما قلت، ولازمت المظاهرة حتى ظهر أحد آل البكري من كبارهم لعلّه السيد "نسيب البكري"، فأشار بيديه إلى الهازجين والهاتفين والمتظاهرين فسكتوا ورفعوا هاماتهم إليه، فقد كان مدخل بيته عالياً في فسحة، واحتشد فيها عدد من أصدقائه وأهل بيته ورجال الكتلة الوطنية، وبدأ يتدفق خطيباً يلهب الجمهور حماساً وعزّة ونشوة وكبراً، فلما انتهى من خطابه صفّقت بين الجماهير كما صفّقوا وهتفت كما هتفوا، ثم تحركت المظاهرة ملتفة إلى زقاق الحلبوني، وكان يسكن في ذلك الزقاق وبجوار القنصلية السعودية يومئذ، وأمام دار آل الحلبوني الذين سمّي الشارع باسمهم الشيخ "تاج الحسني" رئيس الحكومة السورية حينذاك، وكانت الهتافات المعادية للاستعمار تشمل الانتداب على سوريا ولبنان ومن يتعاونون معه، ولقد أقبل الجند من السنغال مدجّجين بالسلاح ومنظرهم مخيف مثل أهوال الليل يفرقون تلك المظاهرة ويشتّتون شملها، فلجأت في الحال إلى باب القنصلية السعودية على بضعة أمتار، والتجأت ودخلت على القنصل السعودي في مكتبه وهو الشيخ الجليل الوقور رشيد بن ناصر، فسألني كيف وصلت إلينا مع وجود هذه المظاهرة، فقلت له: سلكت الطريق الأخرى خلف محطة سكة حديد الحجاز حتى وصلت، ولم أخبره "طبعاً" بأنني قد انغمست وهلّلت وتصايحت مع موجات الغاضبين الصاخبين، وحقّقت ما كنت أتمنّى رؤيته والمشاركة فيه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :768  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 143 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الخامس - حياتي مع الجوع والحب والحرب: 2005]

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج