شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
على طريقة الطنطاوي
وقد يحسن بي أن أقف هنا برهة أذكر فيها على ضوء ما جرّني إليه الاستطراد متأثّراً بشيخنا الأستاذ الصديق علي الطنطاوي سيّد من أتى بالمعجب والمطرب في استطراداته، وأين منها ما يلوكه قلمي وتتلوّى به ذكرياتي، فأقول إنه يظهر لي من معرفتي بالملك عبد العزيز ودقّة ملاحظاته وغَوْر مراميه، أنه عندما رأى الوزير الأمريكي (كيرك) يختار بنفسه صديقاً كبيراً من أصدقائه وهو الدكتور صروف ليقوم بالترجمة في مهمّته التي قام بها، وأنه لم يختر موظفاً من موظفي مفوضيّته في كل من القاهرة أو جدّة، وكان هذا من حقّه ومتّبعاً من أكثر الممثلين السياسيين في غالب الزيارات، وفوق ذلك ومع شهرة الدكتور بعلمه وفضله ومكانته، فهو غير أمريكي ولا سعودي، والمهمة التي قدم يحمل أسرارها تقضي بأن يجري أداؤها والحديث عنها في تحفّظ تام بصون الحديث عنها أو معرفة ما دار حولها. والوقت وقت حرب طاحنة تدور في كل مكان، والحيطة في مثل هذه المواقف متبعة، ثم إن المفاوضات التي تلت الاجتماع للمساعدات الأمريكية والبريطانية التي رأت الدولتان وجوب تقديمها للملك عبد العزيز كانت محاطة بالسرية والكتمان، وهما من سمات خلق وسجايا موحّد المملكة العربية السعودية وبانيها ومشيّد صرحها في كل مراحل حياته.
من أجل هذا كلّه أراد الملك رحمه الله أن يبقي الدكتور صروف ضيفاً محترماً مع صديقه المستر (كيرك)، وأن تدور المحادثات مقصورة على الجانبين السعودي والأمريكي بغير واسطة. وهكذا كان ولقي الدكتور من كرم الملك ولطفه والترحيب به فغمره بالإجلال والإعجاب بشخصيته.
وهكذا تسلّم الشيخ عبد الله السليمان مهمة تنفيذ أوامر الملك بتحضير البيانات والجداول واللوائح المشتملة على حاجات المملكة من كل ما أشار إليه قانون الإعارة والتأجير، يعاونه في ذلك الشيخ يوسف ياسين ومن حولهما من كبار موظفي مكتبيهما، وكان من الجانب الأمريكي من اختارهم المستر (كيرك) لأداء هذه المهمة... وكان الملك عبد العزيز قد اطمأنّ بنجاح كلّ هذه المساعي أن لا يتعرّض الشعب السعودي لمجاعة كانت أسبابها متوفّرة ومنظورة، فقد انحبست الأمطار في الجزيرة كلّها، وبدأت المواشي تموت والبادية والحاضرة تشعر بخوف من عواقب الحرب العالمية الجارية، ومن انقطاع مواصلات البحر بين المملكة وما حولها من الهند والخليج العربي ومصر.
وكان شبح المجاعة يقلق بال الملك ويشغل ذهنه، وهو الخبير بما جرى خلال الحرب العالمية الأولى في جميع البلدان العربية، حتى لقد فتك الجوع والفقر والعوز بسورية كلّها، وبالأخصّ لبنان، فمات الكثيرون من الناس وباع بعضهم أبناءهم، وهاجر سكان المدينة المنورة من مدينتهم إلى مدن الشام وقراها وإلى الأناضول وأريافه، وكان نصيب نجد في تلك الحرب نصيباً يتذكّره الملك ويفزع من ذكرياته ولا يتمنّاها.
لهذا كان رحمه الله منذ إعلان الحرب الثانية وتقطّع المواصلات البحرية والبرية يتوقّى الوقوع في ما سبق أن وقعت الجزيرة العربية كلّها فيه، فلا يجتمع بممثلي بريطانيا وأمريكا إلاّ كان حديث التموين للشعب هاجسه ومدار مساعيه، وجلالته في كل هذا يصدر عن تحمّله مسؤولية رفاهية شعبه وإطعامه وتهيئة أسباب كل ذلك بجميع الوسائل له. أتذكّر ويتذكّر إخواني وزملائي في قسم رصد واستماع الإذاعات العالمية أنباء الحرب لقراءتها على مسامع الملك كل يوم وليلة أن قال لنا في إحدى اللّيالي: إنكم تهملون الاستماع إلى محطة عدن وأنا أريد أن تقوموا بذلك، فمن منكم سيتكفل بتسجيلها ابتداء من يوم غد؟ وكان كل واحد منّا مشغولاً بما خصّصه الملك له من تلك الإذاعات وهي إذاعات لندن وبرلين وفيشي وباري وإذاعات إيطاليا وأنقرة والقاهرة وبغداد وطوكيو، وإذاعات أخرى للمحور في البلقان والبحرين وغيرها، ولا يجد فراغاً ينصرف فيه إلى تسجيل إذاعة (عدن)، خصوصاً ولكل محطة من تلك المحطات إذاعات متكرّرة في أوقات متقاربة، فشرحنا للملك هذه المشكلة، ففكّر قليلاً ثم قال: لا بدّ من عدن فليأخذها (رشدي ملحس)، فاستعدّ الشيخ رشدي لمشاركتنا في أداء تلك المهمة، وكلّف بتلك الإذاعة، وهي إذاعة ليلية لمدّة لا تزيد عن نصف ساعة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :555  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 133 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.