شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الوصول إلى حزوى
ولقد قدم المستر كيرك إلى الشيخ عبد الله السليمان – وكان هو المسؤول عنه وعن مهمة صديقه صروف – بأنه اختاره مصاحباً له في رحلته البريّة هذه في القاهرة عبر فلسطين، ثم طريق التابلاين حتى بغداد، ثم إلى الظهران ومنها إلى الرياض، ثم بالسيارة إلى روضة "حزوى" أولاً ليتشرف الدكتور صروف بالسلام على الملك عبد العزيز، ثم ليزور نجد وهو الأديب الواسع الصّيت، ثم ليكون المترجم الخاص له في مهمّته السرية التي أشرت إلى حمله بسببها رسالة مستعجلة من روزفلت إلى الملك عبد العزيز.
رحّب الشيخ عبد الله السليمان بالدكتور فؤاد صرّوف، ثم انصرف إلى مخيم الملك عبد العزيز القريب من مخيم الضيافة، فأفضى إليه بجميع ما أفضى به إليه الوزير الأمريكي.
قال الملك عبد العزيز للشيخ عبد الله السليمان: ليكن وقت مقابلتنا له ضحى يوم غد في نحو التاسعة من الصباح، وليكن الذي يتولى الترجمة بيني وبينه عبد الله بلخير، ولتكن أنت وحدك الذي يحضر المقابلة، أمّا صرّوف فسأقابله مع الوزير الأمريكي في جلسة بعد العصر من يوم غد إن شاء الله.
وأصبحنا في صباح اليوم الثاني ولا علم لي بترتيب المقابلة الملكية الذي لا يعرفه إلاّ الشيخ عبد الله السليمان، وكنت عاكفاً على أوراقي في الصباح الباكر في خيمتي التي كانت مقفلة عندما وقفت بجانبها سيارة، ثم سمعت صوت من يناديني باسمي، ففتحت كوة من الخيمة أتبيّن منها من القادم المنادي، وإذا بالشيخ عبد الله السليمان في السيارة، والسيارة سيارته والمنادي مرافقه "ناصر بن دخيل"، فتعجّلت بلبس عباءتي وفتحت عرى باب الخيمة المقفلة مسرعاً إلى الوزير الذي قال في حزم كعادته: "اركب". فركبت بجانب ابن دخيل وانطلقت بنا السيارة على رمال "حزوى" وهي تتلوّى لئلا تغوص عجلاتها في الرمال، حتى وصلنا إلى خيام الضيافة وهي تزيد على خمس عشرة خيمة فاخرة.
وكان العمّ عبد الله بن سليمان قد مال عليّ ونحن في السيارة يقول لي: سنذهب بالوزير الأمريكي الآن لمقابلة جلالة الملك، ولقد أمر جلالته بأن يستريح الدكتور صروف وأن تكون أنت المترجم فيما بينهما... وهززت رأسي مردّداً: "أطال الله عمرك".
وهكذا وصلنا مخيم الضيوف، فإذا بالمستر ألكسندر كيرك واقفاً خارج الخيمة، والهواء عليل وهو مشرق الوجه متهلّل الأسارير، فتقدّم ومن معه وبينهم الدكتور صروف للسلام على الشيخ عبد الله السليمان، وجاء ساقي القهوة فتناولناها جميعاً واقفين، وكانت السيارات والخدم محيطين بنا حول الخيام، ومال العم ابن سليمان على الضيف الذي كان مع صروف على أُهبة الاستعداد لركوب السيارات معنا للسلام على جلالة الملك، وقال للدكتور صروف: "إن جلالة الملك يرى أن تكون المقابلة الأولى لمبعوث الرئيس روزفلت مقتصرة عليهما وحدهما، ليستمع منه ما يحمله في رسالته الخطية والشفوية، ولدى جلالته مترجمه الخاص، وسيستقبلك أنت يا دكتور استقبالاً خاصاً بعد عصر هذا اليوم، وستكون في معية الوزير كيرك".
ترجم الدكتور فؤاد صروف ما سمع في سماحة ولطف لصديقه الوزير الأمريكي ترجمة مشرقة مهذّبة في مثل إشراق وتهذيب ولباقة عبارات الوزير عبد الله بن سليمان، ومن ثم ركب الوزيران الأمريكي والسعودي -وكنت ثالثهما- السيارة لمقابلة الملك عبد العزيز. فوصلنا في تمام الوقت المحدّد للزيارة، وكان سرادق الملك محاطاً بالحرس التقليدي في ملابسهم الزاهية وسيوفهم وخناجرهم الذهبية البرّاقة.
ولم يكن في السرادق عندما وصلنا، الوزيران السعودي والأمريكي وعبد الله بلخير، إلى مخيم الملك إلاّ الملك عبد العريز الذي نهض مادًّا يمناه عندما وقف الوزير الأمريكي أمامه، وبعد المصافحة الودّية المتبادلة بين الضيف ومضيفه، جلس الملك مشيراً بيمناه إلى أن يجلس الضيف كالعادة على يمينه، وذهب الشيخ عبد الله السليمان إلى مدخل السرادق، فجلس على مسمع مما يجري هناك، وجلست أنا بين يدي الملك على سجادة السرادق، والتفت الملك إلى ضيفه مرحّباً ومسائلاً عن صحة (الصديق الرئيس روزفلت)، فترجمت ما قال، وجاء الرد من المشترك كيرك في نبل وكياسة واحترام، وأقبلت القهوة السعودية المبهرة (بالهيل) يفوح عبقها في رواق السرادق وجوانبه، فتناول الملك كالعادة (الفنجان) ومدّ الساقي (رحيم بن عبد الواحد) راعي القهوة بفنجان آخر غير الذي شرب به (الشيوخ)، ثم عرج على العم ابن سليمان فملأ فنجانه بما أترعه وملأه، ثم أخرج المستر كيرك من ظرف كان يحمله بيمناه رسالة مشرقة ومختومة، وقف ثم انحنى يقول لي: قل لصاحب الجلالة إن هذه الرسالة التي أتشرّف الآن بتسليمها لجلالته هي من صديق عظيم إلى صديق عظيم، إنها من الرئيس فرنكلين روزفلت إلى صاحب الجلالة الملك المعظم عبد العزيز بن سعود، فتناولها الملك بيمناه برهة ثم فتح ظرفها وأخرج منه الرسالة وبسطها بين أنظاره، ثم مدّها إليّ فألقيت عليها نظري وكانت مختصرة في سطور، تبدأ بصديقي العظيم صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك المملكة العربية السعودية - الرياض، وكان فحواها قد نقلها البارحة إلى أسماع جلالته الشيخ عبد الله السليمان، فتناولها الملك مني وأومأ بها إلى الشيخ الذي أقبل في أدب واحترام، فتناولها ثم رجع إلى حيث كان جالساً يستمع لما يدور الحديث حوله بدون أن يتدخّل في شيء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :574  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 128 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.