شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
على بئر رماح
وأتذكر قصة أخرى هزّت الملك عبد العزيز وأثارت أريحيته ونشوته. فقد خرج في موكبه نحو روضة "الرمحية" المعروفة على أطراف الدهناء في مقناص من مقانيصه، وكنّا في معيّته وداهمنا الليل تحت "عقبة بويب" في طريقنا خلف الملك نحو مورد الماء المشهور (رماح)، فبتنا حيث داهمنا الظلام لأن "بطارية" سيارتنا كانت ضعيفة ولا أمل لنا بالسير بها في ذلك الليل، وأصبحنا مع الفجر نصلح أمورنا ونؤدّي أعمالنا بالاستماع إلى الإذاعات الصباحية العالمية ونسجّلها بكتابتها.
ثم مشينا بعد طلوع الشمس، فإذا بنا على بئر (رماح) ونحن بحاجة إلى ملء قربنا من الماء استعداداً للرحلة نحو مخيم الملك في الرمحية.
ولقد بتّ على الطوى لم أذق منذ خرجنا من الرياض بالأمس ما يذهب عني الجوع. فلما وصلنا مورد الماء في رماح وقد التفّ حوله وتزاحم عليه رعاة الإبل والغنم، قلت: لا بدّ أن أجد لي ما ينقدني من الجوع الذي كان يعصر بطني، وتوجهت إلى شابة بدوية راعية كانت قد انتهت من سقي غنمها من البئر، وهي تعدها وتتهيّأ للعودة بها نحو خيام أهلها المضروبة بعيداً عن رماح. فسلّمت عليها فردّت السلام، فقلت لها: هل لك أن تبيعيني ملء غضارتك هذه لبناً حليباً من غنمك ففأجاها السؤال، وكنت قد أخرجت لها من جيبي ريالاً من الفضّة مددت به يدي إليها.
فارتبكت ثم قالت لي بلهجتها البدوية الذربة: "والله حنّا ما نبيع اللبن". فقلت لها: إذاً كيف السبيل إليه؟ ففكرت بضع ثوان ثم رفعت رأسها إليّ وهي تقول: "أنا أعلمك، حنا ما نبيع اللبن، مير أنت نهدينا الدراهم وحنا نهديك اللبن"، قالتها في أنفة وحياء وطيبة.
فقلت لها: قبلت. فأخذت غضارتها ووقفت تنظر إلى غنمها تتخيّر منها ما يكون لبنها غزيراً، ثم غسلت الغضارة وتقدمت إلى شاة أخذت تحلبها وتملأ بحليبها الوعاء.
فلما امتلأ وكاد أن يفيض مدّته إليّ وهي جالسة فتناولته وبدأت أعبّه عباً... وهو لا يزال يفور برغوته تتماوج طافحة دافئة لذيذة، حتى شبعت شبعاً زاد على ما أحتمل بشوقي الشديد إلى مثله على الجوع في مثل ذلك المكان.
ثم أرجعت للراعية الغضارة ومددت لها الريال، فقبضته بيمينها ثم قامت آخذة قربة مائها على كتفها وأوعية سقياها على رأسها، وصاحت في غنمها تسوقها أمامها متجهة إلى خيام أهلها المضروبة على مدّ النظر من مورد رماح.
• في نهاية فصل الشتاء عام 1943م، وفي ليلة من ليالي ذلك الفصل، حيث تعوّدت أن أجيء بأوراقي التي أحضرها لعرضها على المرحوم الملك عبد العزيز مع زملائي المشاركين لي في أداء مثل هذه المهمة، حيث كنّا في فترة المساء التي يجلس فيها الملك بعد صلاة العشاء من مساء كل ليلة، أي حوالي الساعة الثامنة. نجيء فنجد أن الجلسة المسائية الخاصة قد عقدت، وحول الملك الأمير عبد الله بن عبد الرحمن أخوه وابنه وولي عهده الأمير "الملك" سعود، ثم كبار مستشاريه، وهم المشايخ بشير السعداوي وخالد القرقوني، وهما من مجاهدي ليبيا الذين شاركوا وخاضوا المعارك لصدّ الهجوم الإيطالي على ليبيا المسمّاة "طرابلس الغرب". في تلك الأيام في عام 1911، 1912م، واللذان كانا من أبرز الوجوه العثمانية في تلك الحقبة من الزمن في تلك البلاد، وبينهم أيضاً الشيخ يوسف ياسين، والأستاذ رشدي ملحس، ثم يجيء بعد ذلك رؤساء شعب الديوان الملكي بينهم الشيخ محمد بن سعود الدغيثر، والشيخ عبد الله التويجري، وقد يحضر الجلسة غيرهم. ثم نجيء نحن موظفي الشعبة السياسية: الأستاذ طاهر رضوان المندوب السعودي الدائم لدى الجامعة العربية في تونس اليوم، ثم مسجلو وكتاب الإذاعات العالمية الأساتذة: عبد العزيز الماجد، وعبد الله بلخير، وأحمد عبد الجبار، وعلي النفيسي، وعبد الله البسام، وعبد الله بن سلطان، ويقوم كل واحد من هؤلاء في تلك الجلسة بعرض عمله على مسمع وأنظار المرحوم الملك عبد العزيز، ويستمعون كلّهم لما يقرأ وما يعرض من أحوال الساعة في الأمور الخارجية والداخلية من البلاد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :760  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 105 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج