شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نهاية الرأس ميخائيل
وهكذا انفصل وانسحب الرجل في إحدى المعارك النهائية... انسحب بقوّاته متوجهاً إلى (والو) مستولياً عليها، ومعلناً إمارته فيها. وبهذا الإنقلاب تفرّق من حول الرأس ميخائيل، ثم ألقي القبض عليه أسيراً، وبدلاً من أن يدخل العاصمة أديس أبابا فاتحاً على حصان أبيض، أدخلوه أسيراً مكبّلاً بالأغلال، راكباً على بغل يطوفون به أحياءها، ويعرضونه على سكّانها في أهازيج وطبول صاخبة، ثم توجّهوا به إلى ضاحية من ضواحيها، هي ضاحية (أنكور) الواقعة على مسافة نحو ثلاثة كيلومترات منها، حيث قذف به في قلعتها المشيدة على هضبة وعرة نايفة، ليس لها إلاّ طريق واحد يصعب الوصول منه إليها. فبقي هناك أسيراً معذّباً، وكان ابنه الملك المخلوع (ليج الياسو) قد فرّ قبل ذلك من سجنه هائماً في الغابات حتى وصل إلى بلاد (الدناكل)، فكان متنقلاً بينهم وهارباً فيها، وحلّت بوالده الرأس ميخائيل في معتقله الشيخوخة، ففقد عقله، وكان فيما يرويه عنه الناس إذا سمع رعداً، وما أكثر رعود بلاد الحبشة، صاح في سجنه يقول: ها هو ابني ليج الياسو قادم إلينا ليحرّرنا ولينقذنا ويعود إلى عرش سليمان. حتى مات على هذه الحالة شرّ ميتة. وكما كان الإمبراطور منليك، فيما سمعت عنه، قد أصيب بالوسوسة، فكان يتراءى له قطّ أسود يخيفه وهو في سريره، وفي مرض موته كان صهره ميخائيل يخيفه الرعد ويترقّب به مجيء المنقذ. وهكذا فالجزاء من جنس العمل، فلا يُغر بطيب العيش إنسان، وتلك الأيام نداولها بين الناس.
كان الملك (البنادنجل) قد مات عند وصول تلك الحملة، وتولّى الملك بعده خلفه الإمبراطور (غلاد ديوس) (1540 إلى 1559)، ولوجود هذه القوى البرتغالية غازية لبلاد العرب والإسلام استعرت في المنطقة حرب اقتصادية صليبية ضارية، وصلت نيرانها إلى ما حولها من مداخل البحر الأحمر، فاحتلّت (عدن) و (الشحر) و (سقطرى) والثغور الإفريقية المتناثرة، مع جزر (دهلك) و (قمران) في جانبي الشاطئين العربي والإفريقي من البحر المشار إليه.
وكان وجود تلك القوى في تلك الأصقاع انتقالاً بالحروب الصليبية والاقتصادية من شرق البحر الأبيض المتوسط وشواطئه الشمالية والجنوبية، على مداه الطويل من الإسكندرية وثغور الشام إلى جبل طارق وما حولها. فتحدّد بذلك الصراع بين الشرق والغرب، تدور رحاه الآن على مداخل المحيط الهندي ومشارف الجزيرة العربية من شواطئها الجنوبية والشرقية في الخليج إلى شواطئه الغربية في أطراف الحبشة والسودان والصومال، وما والاها وحفّ بها من كل مكان، ولقد كان يتولّى هذا الصراع من الجانب الوطني الإسلامي المجاهد الغازي (الإمام أحمد بن إبراهيم) الذي بعث فجأة من بين قوّاد المسلمين وأمرائهم المتحاربين المتنافسين المتصارعين على السلطة وعلى الملك وعلى الإمارة وعلى النفوذ، فجمع الصفوف وحارب الخوارج وقضى على الفوضى والتنازع، فالتفت حوله جماهير المسلمين المغلوب على أمرها وبايعته بالإمامة (1506 – 1543)، فأصبحت له الغلبة وبيده القوّة وله القيادة والريادة، فحرّر في عام (1531) الإمارات والسلطنات الإسلامية التي وقعت تحت سلطة ملوك وأباطرة الحبشة، ولم يكتف بذلك بل أخذ يمتدّ نفوذه وينتشر سلطانه وتتمدّد ولاياته حتى سيطر على المناطق المتوسطة والجنوبية من البلاد، ثم أخذ في التقدّم السريع إلى الشمال والشرق وحتى وصل إلى (كسلا) في السودان المعروف اليوم وما جاورها...
 
طباعة

تعليق

 القراءات :507  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 89 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.