شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هيلاسلاسي يعلن نواياه
وكلّنا يتذكّر أنه منذ بضعة عشر عاماً عندما ذهب هيلاسلاسي إلى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك واستقبل منها ومن أمريكا استقبال الفاتحين، ألقى خطاباً رنّاناً على منصّة تلك المؤسسة العالمية على مسمع ومرأى من العالم بأسره وبالأخصّ العالمين الإسلامي والعربي، قال فيه بملء فمه ورفع عقيرته بأنه يتعهّد بإعادة جميع رعاياه المسلمين في بلاده إلى المسيحية التي خرجوا عنها في عصور كثيرة إلى الإسلام، وأنه يتعهد للعالم المسيحي بهذا وعلى سمعه وبصره، فتناقلت وسائل الإعلام في المشرق والمغرب ما تعهد به ونواه، ولم يتحّرك أحد للردّ عليه أو استهجان ما أفضى به وأعلنه وقاله.
أسوق هذا العرض لأبرهن به على سذاجة العرب وغفلتهم ومعهم المسلمون كلهم في قرون انحطاطهم الأخيرة، يتخطّفهم الناس في كل بقعة من بقاع الأرض على مرّ العصور والدهور، والعلماء والكتّاب والمثقفون والأمراء والحكّام يتفرّجون ويسمعون ويرون ولا يحرّكون ساكناً، حتى يظهروا بأنهم متسامحون لا يقيمون لهذه العصبيات والعنصريات والعرقيات والمذهبيات وزناً، ولا يعيرونها التفاتاً، عسى أن يكبروا بذلك في عيون أوروبا فترتفع سمعتهم ويعلو مقامهم ويبرهنوا على تمدّنهم وعلى حضارتهم، فلا يزدادون بهذا في أعين أولئك إلاّ ذلاً واحتقاراً وشماتة وتنكيلاً وبطشاً، جرّنا كل هذا إلى ما كرّرته وأشرت إليه من حبّنا للإمبراطور هيلاسلاسي وعصبيتنا له والدعوة إلى نصره في حربه مع موسوليني في حربه الأخيرة وفي حرب الحبشة الأولى مع إيطاليا، نقوم معها ونمنحها عواطفنا وننسى مآسيها ومظالمها وفتكها بإخواننا في بلادها، ولكن يأبى الله ألا يجازي الظالمين بما يستحقّون.
ونعود إلى الإمبراطور (ليج ياسو) ابن السلطان المسلم محمد علي سلطان (جمة)، وكيف زجّ به في السجن هيلاسيلاسي، فلما دخل في الحرب مع إيطاليا عام 1936 بادر بنفسه على ما قيل بالدخول عليه في سجنه وهو في الأغلال والأصفاد، فأطلق عليه النار من مسدسه فأرداه قتيلاً، فأزاح بذلك ثقل حقده عن قلبه، وصفا له الجوّ في الحكم ليتمّم فيه رسالة سلفه ممن أشرنا إليهم، ولقد كانت السلطنات الإسلامية عبر القرون الثلاثة الماضية زاهرة في الحبشة، وكانت مجالاً للعلم وللعلماء والطلاب والمهاجرين العرب من كل مكان، ينزلون فيها ببلادهم وبين إخوانهم، ويتمتّعون بإكرام أهلها وحكّامها، وكانت (هرر) بجوامعها وعلمائها ومدارسها وأربطتها وخلاويها محجّة الأجيال والقبائل، ينتظمون حول علمائها وينشّئون أبناءهم على ما نشأوا عليه من القرآن وعلومه والفقه وأحكامه، فيخرج منها القضاة والدعاة ينتشرون فيما جاورها، ويلتحقون بالجامع الأزهر بمصر، وبالحرمين الشريفين في الحجاز، وبأربطة العلم في (زبيد) و (حضرموت)، ثم يعودون علماء إلى بلادهم ليفقّهوا قومهم والأقوام المسلمة الأخرى المجاورة لبلاده...
وكما كانت بلاد (هرر) على ذلك النحو الذي أشرت إليه وعرفه الخاص والعام من كتب التاريخ، كان لبلاد (جمة) ولسلاطينها وأخصّهم محمد علي والد (ليج ياسو) المقام المحمود في حفظ الإسلام وحمايته ونشره والتمسّك به والانتماء إليه، وإذا كان قد أكره على الخروج الظاهر منه إبقاء على إسلام شعبه وأهله، فيما سردته ولمَّحت إليه، فإن الثابت ثبوتاً تاماً أنه مع ذهابه بين الفينة والأخرى إلى الكنيسة، فإنه كان يعرج على المساجد ويصلّي فيها ليلاً، إذا أمن العيون، بل إن مجلسه إذا انعقد في منزله وبين أهله وعشيرته المقرّبين يبدأ بقراءة القرآن، ثم يدرس في الفقه ويختتم بقراءة (راتب الحداد)، وهو ما عليه مسلمو تلك الأصقاع، وكلّهم على المذهب الشافعي جاءهم مع حملته ممن جاورهم وأخصّهم الحجاز وحضرموت واليمن ولا يزالون عليه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :613  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 79 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثالث - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج