شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طارق يصحب وهيب باشا
وجاء الجنرال وهيب باشا إلى دمشق في طريقة إلى ميادين القتال، بين إيطاليا والحبشة، فصحبه طارق إلى تلك الميادين. ومن هنا ظهر اسمه مع اسم وهيب باشا في صحف دمشق ثم في صحف العالم الغربي المعادي لإيطاليا، وكتبت المقالات الملتهبة عن المجاهدين وهيب وطارق، ونشرت صورهما، وتحدّثت عنهما وكالات الأنباء العالمية التي سمّت طارقاً بالنمر الأسود، ومن هذه الصحف وبسبب تلك الحرب، عادا إلى الأضواء المشرقة، وكانت جريدة (الأيام) الدمشقية بين أكثر تلك الصحف حديثاً عنهما ونشراً لصورهما وتتبّعاً لأخبارهما، وكان لمعرفتها التامّة للرجلين وللنمر الأسود، ما حرصت على التقاط كل ما تنشره عنهما وكالات الأنباء الغربية في حربها الإعلامية لموسوليني ولغزوه لبلاد الإمبراطور هيلاسيلاسي.
لم يكد الرجلان يصلان إلى أديس أبابا ويشتركان في الدفاع عنها أمام جحافل الغزو، حتى أعلن في تلك العاصمة في يوم من الأيام بأن النمر طارق الإفريقي سيقوم غداً بالقفز والهبوط بمظلة من إحدى الطائرات على أكبر ميدان من ميادين أديس أبابا وهو في ملابسه العسكرية، فغصّ ذلك الميدان بالجموع. وفي الوقت المحدّد والمعلن عنه ظهرت طائرة تحوم على العاصمة في دورات عديدة، ما لبث بابها أن انفرج وهبط منها طارق الإفريقي بمظلّته التي انفتحت في الجوّ، ثم أخذت تتأوّد وتتهادى به في أجواء الميدان، فبهر الأنظار وألهب الحماس وتعالت الهتافات له وللإمبراطور، حتى استقرّ في قلب الساحة بين أذرع الألوف الذين يرون مثل هذه الظاهرة لأوّل مرة في حياتهم. وكان هذا الحدث حدثاً علق بخواطر كل من رآه وشاهد أو سمع عنه، وأصبح اسم طارق الإفريقي على كل لسان، والتحق بميدان القتال وقاد جموعاً من المحاربين. ومرّت الشهور وغلبت الوسائل العسكرية العصرية من دبابات ومدافع ورشاشات أسلحة السيوف والرماح والنبال والبنادق البدائية، وانتصر العلم على الشجاعة، وتشتّتت جموع القبائل المحاربة للغزو الفاشستي. وانتهت تلك الحرب بفرار الإمبراطور من بلاده إلى فلسطين حيث حلّ بمدينة القدس. وأتذكّر له صوراً سينمائية رأيناه فيها في أيام وصوله إليها يركع ثم يخرّ ساجداً على تراب القدس أمام الكنيسة، وحوله أبناؤه فتيان تعلّقت بهم أنظار المشاهدين، وبانكسار الحبشة واحتلالها وفرار الإمبراطور ومن فرّ معه من أهله وآله وضباطه وقادة قبائله، فرّ كذلك المتطوّعون لنجدة تلك البلاد والمجاهدون معها وبينهم ضباط أوروبيون وعرب بينهم الجنرال وهيب باشا وزميله في الجهاد طارق الإفريقي النمر الأسود.
عاد طارق إلى دمشق، فأهله كانوا مستقرّين فيها، وظهر في أنديتها ومجتمعاتها العالية برجالاتها ووجهائها يجلس معهم ويتردّد على أنديتهم فعرفوه وصاحبوه، وكانت أخباره في الحبشة على كل لسان مما قرأوا وسمعوا، وكان الملك عبد العزيز رحمه الله بين من سمعوا به وعرفوا أخباره، فلما عزم رحمه الله على إنشاء الجيش السعودي الحديث بجانب أفواج قوات المجاهدين من القبائل وأهل نجد، فكّر في شخصية عسكرية موثوق بدينها وعلمها وأمانتها يتولّى تدريب النواة الأولى من الجيش التي أنشأها فَوْرَ ضمّه للحجاز إلى نجد وعسير والإحساء، والتي كان القائد العثماني المشهور سليمان شفيق باشا الذي كان في العهد العثماني إبان الحرب في عسير مع غيره قد اشتركوا في إنشائه، فقد أعجب الملك عبد العزيز بالجنرال سليمان شفيق باشا، واستبقاه في الحجاز وأوكل إليه المشاركة في تكوين الدفعة الأولى من الجيش السعودي الحديث، غير أنه كان قد تقدّمت به شيخوخته فتنحّى عن العمل، وكان الشيخ المجاهد البشير السعداوي الذي أصبح من رجال الملك عبد العزيز ومستشاريه أحد من أشار على الملك بذكر اسم طارق بك لهذه المهمة، فكتب الملك لصديقه فخامة الرئيس (فيما بعد) شكري القوتلي الزعيم السوري الوطني يستشيره فيما نوى عليه باستقدام طارق لأداء هذه المهمّة، فزكّى شكري هذا القائد وأطرى استقامته وجدّد للملك ما كان يعرف عنه، وأنه كان أحد المجاهدين في ليبيا إبان حربها مع إيطاليا في عام 1911 – 1912م، وكيف خاض تلك الحرب مع من خاضها من قوّادها العثمانيين، وبينهم نوري باشا شقيق الزعيم التركي المشهور نوري باشا، وعبد الرحمن عزام باشا وكثيرون من الضباط المصريّين والعراقيين واللّيبيين وغيرهم، ولقد سمعت هذا كله عن هذا الرجل بعد قدومه من دمشق بدعوة من الملك عبد العزيز وتوليه تدريب الألوية العسكرية التي سبقت وصوله، والتي كان يتولاّها قادة سعوديون بينهم بعض الضباط الأتراك والعرب الذين بقوا منذ العهد العثماني في الحجاز، منهم الفرقاء والجنرالات سعيد الكردي وسعيد جودت وإبراهيم الطاسان وغيرهم.
وتسلّم طارق رئاسة أركان حرب الجيش السعودي، والتفّ حوله أولئك كلهم وغيرهم. وكان الجيش مربوطاً بوزير المالية الشيخ عبد الله السليمان، يشرف عليه نائب الملك الأمير (الملك) فيصل في سنواته الأولى، حتى أسند الملك عبد العزيز وزارة الدفاع التي كانت وكالة وزارة إلى ابنه الأمير منصور بن عبد العزيز، ووثب الجيش في عهده الجديد وثبة عرفها كل من واكبها، وكان لطارق الإفريقي أثره المحفوظ له في تاريخ تطوّر الجيش من الضبط والربط والحزم والعزم، حتى علت به السن وداهمته الشيخوخة وأحيل إلى التقاعد، فعاد إلى دمشق يعكف على قراءاته وأندية رفاقه وأصحابه حتى توفي ودفن هناك.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :678  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 70 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.