شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
"آثار أقدام" مع الباعة المتجوّلين
أتذكر تحلّقنا في مكتب جريدة أم القرى بمكة نستخرج من أكياس بريدها الخارجي ما فيه من الصحف، فنقرأ المقطم والأهرام والسياسة وغيرها. وأتذكّر أن الكاتب اللبناني الكبير الأستاذ أميل الخوري، الذي كان قبيل الحرب العالمية الأولى يقيم في روما ويتولّى منها مراسلة جريدة (الأهرام) بسلسلة من التقارير والمقالات الصحفية، كانت تستقطب الجمهور السياسي والمثقف من شباب العرب ورجالهم. كنّا ننتظر البريد البحري الأسبوعي والأهرام من أجل مقالات الأستاذ الخوري تلك، وفي بيروت – وقد انتقلت إليها بعد ذلك – كنّا نتلقّف الأهرام أيضاً من أجل تلك المقالات التي لا يكتب مثلها كاتب في العالم العربي يومئذ، والتي جمعها بعد ذلك كاتبها وأخرجها بعد الحرب في جزءين أو ثلاثة سمّاها (آثار أقدام)، اشتريت منها يوم كنت في بيروت عام 1962 مجموعة نسخ أعدت قراءتها والتمتّع بتحليل الأحداث العالمية فيها، برغم مرور الزمن عليها، غير أنها كانت ولا تزال حتى اليوم مرجعاً نادر المثال لسير الشؤون العالمية والدولية يومئذ نحو الحرب العالمية الثانية.
وكان مما يلفت نظري بكثير من الأسى أنني كنت أتلقط أجزاء (آثار أقدام) هذه من على عربات باعة الكتب المتجوّلين في أطراف ساحة (البرج) يومئذ في بيروت، وعلى أرصفة (اللعازارية) وهي تباع بليرات معدودات، فاكتنزت منها أكثر من خمس مجموعات أرجع إليها سنة بعد سنة، فأنظر في صفحاتها ما كنا نترقّبه ترقب هلال العيد، لما فيه من الحكمة والعقل والاطّلاع وبُعد النظر.
وما دام الحديث قد جرّ إلى ذكر ذلك الكاتب اللبناني المبدع (أميل الخوري) الذي لا يذكر عند ذكره سواه، فإنه قد قضى أكثر سنوات رجولته، إمّا وزيراً مفوّضاً للبنان في إيطاليا أو باريس، أو مقيماً في باريس قبل الحرب العالمية الثانية وأوائل أعوامها، ثم في جنيف متتبّعاً أخبار (عصبة الأمم) فيها ومراسلاً بأحداثها وأخبارها (الأهرام) وغيرها من صحف الغرب، يتقاضى على ذلك من الأهرام أكبر مبلغ يتقاضاه كاتب عربي حسب طلبه.
كانت ثقافته عامة وشاسعة واسعة، ومن قبيل اندلاع نيران الحرب الثانية وأنا أقرأ مقالات عنها في افتتاحيات الأهرام فأقتنيها وأقرؤها ثم أقرؤها، وعندما كنت في مصيف برمانا أقضي الصيف، تعرّفت على صديقي الأستاذ فؤاد مفرج وهو من أهل برمانا، ذكرت له بالإعجاب ما قرأته وسمعته عن الأستاذ أميل الخوري، فقال لي إنه من برمانا وبيته قريب من منزلي وسنذهب لزيارته، فذهبنا وزرناه، وكان على سفر عائداً إلى جنيف، فذكرت له حرصي على مقالاته، وتمنّيت عليه لو جمعت في كتاب، ولم تكن فكرة جمعها قد تبلورت في ذهنه، حتى جاء الوقت الذي رأيتها على تلك العربة التي يحشر عليها صبية "البرج" زوائد المؤلفات وفضلاتها لتباع بالجملة وبأبخس الأثمان، ليرات معدودات، قد لا تتجاوز الأربع أو الخمس.
جرّنا إلى كل ذلك ذكر أخبار الحرب الحبشية الإيطالية التي واكبتُ أخبارها ومجراها وتابعتها كغيري ممن اهتمّ بها وتعصّب لنصر الحبشية وفوزها، فجرت الرياح كالعادة بما لا تشتهى السفن، لأن أمانينا كانت ولا تزال نابعة من عواطفنا وليس من عقولنا، ولهذا ما تعلّقنا بشيء إلاً وانهار وطار.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :547  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 67 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج