شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مع الزعيم اليمني أحمد النعمان
وأتذكر أنه في حج عام 1939م، قدم مع بعثة الأزهر من مصر صديقنا فيما بعد وإلى اليوم الزعيم اليمني المشهور دولة الرئيس أحمد محمد نعمان.
وكان بين البارزين المدعوين إلى حفلة الشباب في منى في ذلك العام، فتحمس كعادته وكان يومئذ لا يزال في عنفوان حيويته وصولته وثورته، وقد سمع زعماء العالم الإسلامي يتحدثون ويخطبون في ذلك الحفل، فوقف يلقي كلمة مطولة دعا فيها إلى الوحدة العربية، وأطال فيما دعا وتحمس فيما خطب، حتى قال مستشهداً بما يدعو إليه، قال كما قال الشاعر عبد الله بلخير:
شبه الجزيرة موطني وبلادي
من حضرموت إلى ربى بغداد
أشدو بذكراها وأهتف باسمها
في كل جمع حافل أو نادي
منها خلقت وفي سبيل حياتها
سعيي وفي إسعادها إسعادي
كل له فيمن أحب صبابة
وصبابتي في أمتي وبلادي
أعدت الأبيات الأربعة مرة أخرى بعد أن ذكرتها في أماكن سابقة، جاءت مناسبتها، وما قصدت الآن إلاّ أن أروي هذه الطرفة منسوبة إلى صاحبها الأستاذ النعمان أمد الله في حياته وهو يرويها في كل مناسبة نلتقي معه فيها أو بآخرين، ولقد صفق الحاضرون في تلك الحفلة والندوة لخطاب الأستاذ النعمان الذي كان كعادته سحاراً فيما يقول وينشد، حتى إذا ما انتهى منها وأقبل عليه من يهنئه على الكلمة، كما هنأوا غيره من خطباء الحفل، قمت أنا أشق طريقي إليه مادًّا له يدي، أحييه على كلمته، فقال لي: من الأخ؟ فقلت له: عبد الله بلخير، فذهل لما سمع وقال لي: كنت أظنك وقد رويت مطلع إحدى قصائدك من محفوظاتي أنك شيخ كبير بلحية طويلة وعباءة فضفاضة وعصا طويلة تتوكأ عليها، وها إنك في غرة شبابك: ترى أأنت الشاعر؟ فتبسمت وقلت: نعم! فقال لي: يا سبحان الله!!. لقد ربطتنا منذ تلك اللحظة صداقة تراوح عمرها نحو نصف قرن تقريباً، التقينا خلاله مئات المرات، ولا نزال نجتمع في صيف كل عام في مدينة جنيف بعد أن تكون اجتماعاتنا في جدة، وأحاديثنا بالهاتف في كل صباح، وفي جنيف يجيئني الأستاذ من فندقه إلى الفندق المجاور له فندق "دولابيه"، فنجلس الساعات الطويلة في ذكريات لا تنقطع بل تتجدد إذا كنا في بلد واحد كل يوم، وهكذا فلي مع الأستاذ النعمان ما لكل من عرفه، ابتداء من الإمام يحيى، فالإمام أحمد، فالرئيس جمال عبد الناصر، فأكثر رؤساء العرب وملوكهم من الذكريات المتجددة التي لا يمل سماعها ولا ينضب معينها، وهو أستاذ سياسي ملون الثقافة، فيه ذكاء مفرط، وشمم متوارث، وهو في مناصبه الرفيعة ومصائبه المتوالية المخيفة منذ نصف قرن، التي تحتوي على العجب العجاب والمضحك والمبكي، وأستطيع أن أتحدث عن هذا الصديق في مئات إذا لم أقل ألوف الصفحات، كما يشاركني في إعجابي به ودهشتي منه كل من عرفه وعرف عبقريته وفطنته ولماحيته، ومكره، وشهامته، وهو صالح لكل شيء وفي كل زمان ومكان، ثم هو بعد كل ذلك لما شئت إذا شاء وطرب.
الزعيم أحمد محمد نعمان دخل السجون وحمل الأغلال والقيود، ولبس العمامة، وتولى في المحاريب الإمامة، وانتصب وزيراً فعضواً لرئاسة الجمهورية، وكان مع كل هذا، الأديب والمؤانس والسمير المبدع، والشديد واللين، فإذا اشتد لا يقدر عليه أحد، وإذا لان فهو كخطوات النسيم لا يمل سامعه كلامه، ولا يحب صاحبه أن يفارقه، إلا إذا انتفض وتملص، ثم قام خارجاً لا يلوي على شيء، فهناك الإعصار المدمدم الذي لا يقف أمامه واقف، حتى إذا هدأ فهناك الوداعة والرقة والعبقرية والشمم، ولي معه ذكريات طويلة، ولغيري معه ذكريات أطول والحديث عنها مني ومنهم لا ينتهي، وله طرف ومُلح مع ملوك اليمن ومع كبار رجال الثورة في مصر ورجال السياسة في العالم لا يستثني منهم أحد المطرب والمعجب، تحياتي إليه والسلام عليه إذا ما قرأ ما ذكرته عنه وذكرني فيمن عنده، وهو جزاه الله خيراً كثيراً ما يفعل ذلك، مع من أحب وأرجو أن أكون منهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :751  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 54 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج