شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جولة في شارع الرشيد
قام أعضاء البعثة كلهم، وخرجنا من المدرسة، وكنت قد صحبت حينئذ معي آلة تصويري، وذهبنا جميعاً متفرقين غير مجتمعين نشق طريقنا إلى شارع الرشيد، وهو أكبر وأطول شارع في تلك المدينة، يزيد طوله على العشرين كيلو مترًا، يشق بغداد من أولها إلى آخرها على مشارف نهر دجلة، وكانت الجماهير الصاخبة قد تدفقت من كل مكان إلى ذلك الشارع، وقد بدأت حينئذ، وقد أصبحنا في ذلك الخضم المتلاطم الصاخب الباكي، "الهوسات"، وقد أشرت إليها في الحلقة السابقة بأنها مسمّىً شعبي للعرضات الحماسية الشعبية، المتفجرة في الحوادث الطارئة، فلها أهازيجها وشعراؤها حملة مشاعلها، والجماهير حولها، تموج وتتدفق، متأثرة بما يسمعون، وبما يرون ويشاهدون، ثم بدأ اللطم وبدأت السلاسل تدق الظهور، والأكف تدمي الصدور، وقد حسر أكثر من يقوم بهذه الانفعالات صدورهم وظهورهم، في تشنج معروف، يجيء في مواكب عاشوراء ومُحَرَّم، مما يعرفه الناس هناك.
كنت أمشي مع رفاقي بمشقة زائدة نزاحم الناس المنكب بالمنكب عندما سمعنا صوت سيارة تشق ذلك العباب شقاً بطيئاً جداً، حتى لتكاد محركاتها أن تنطفئ لتعذر سيرها بين الناس، وتصايح الناس من الجوانب بالشارع، والسيارة مقبلة عليهم، "أبو صباح، أبو صباح!"، ولم أكن أعرف يومئذ أن أبا صباح هذا هو نوري السعيد الزعيم العراقي المشهور، ورئيس الوزارات العراقية المتعاقبة، قبل ذلك وبعده، وإنما كنت أعلم أنه رئيس مجلس الوزراء يوم زرنا بغداد في هذه الزيارة.
وتهافتت الجماهير عليه وهو في سيارته جالساً واجماً وليس معه غير سائق سيارته وضابط حرس بجانب السائق، وزجاج السيارة مقفلاً تاماً، عندما بدأت الأكف تضرب على زجاج النوافذ، وعلى أطراف السيارة، رافعة عقيرتها تخاطب نوري السعيد "خاطر الله، يا أبو صباح، تديروا بالكم على أميرنا فيصل" يقصدون الأمير فيصل ابن الملك غازي الذي أصبح بعد ذلك ملكاً على العراق، حتى تدفقت هذه الجماهير نفسها وغيرها بعد سنوات بالابتهاج بالثورة عليه والاحتفال بمصرعه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :568  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 35 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.