شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إعلان الخبر المفجع
وتنفست أنا في مقعدي الصعداء، وقلت مخاطباً من حولي في الحافلة التي كنت فيها: يا شباب، إن الملك غازي قد قتل في منتصف ليلة البارحة رحمه الله! فتصايح من حولي صيحات صاخبة وهم يقولون لي: أعوذ بالله من أين جئت بالخبر، فقلت لهم: لقد علمت به منذ نصف ساعة في نهاية تناول طعام الإفطار، وها هو الدكتور فاضل الجمالي تحت السيارة الآن يتكلم مع ضابط الدراجة الذي رأيتموه منذ ثوان يجيء ويترجل أمام الدكتور فاضل الجمالي، وسمعتموه كيف يصيح لا حول ولا قوة إلا بالله، فما هو إلا هذا الخبر الذي نقل إلي، ولم أصدقه ورجوت الله ألاّ يكون صحيحاً.
وكان الأساتذة قد خرجوا من السيارات، والتفوا حول الدكتور الجمالي والضابط الذي نقل إليه الخبر، وقد علت حوقلتهم كلهم لما أخبرهم به الدكتور الجمالي، ولا أزال أتذكر الدكتور شارل مالك والدكتور قسطنطين زريق، وقد امتقعت أسارير وجوههم، الدكتور شارل يصيح ويقول: شوها الخبر، شوها الخبر، يخاطب به الدكتور الجمالي، والدكتور الجمالي يرد عليهم متأثراً بما نقله إليه الضابط بفحوى تلك الفاجعة.
قلت لمن حولي تأكيداً لما قلته، ولما نبهني إليه الأستاذ فدعق، انظروا من النافذة إلى العلم الألماني، وكان ذلك العلم هو العلم المعقوف لحكومة هتلر، فهو مخنوق على ساريته على المبنى الذي ترونه على يمينكم والتابع لمفوضية الحكومة الألمانية، وجاءتنا صيحة رئيسنا الدكتور قسطنطين زريق وهو يقول مخاطباً جميع من في السيارات الثلاث من أعضاء بعثتنا: "يا شباب.. يا شباب.. ترجلوا من السيارات وتفضلوا بالخروج منها"، فانساب الجميع في هرولة ودهشة.
من كان في السيارتين الأخريين غير التي كنت فيها لم يفهموا إلى تلك الدقيقة أسباب دعوتنا إلى الخروج من السيارات، ولا مجيء الضابط الذي نشر الخبر، أما من كانوا معي في السيارة فقد قلت آنفاً إنني قد بحت بما سمعت إليهم فور سماعي حوقلة الدكتور الجمالي، ودهشته ودعوته لأساتذة الوفد بالنزول من السيارة والالتفاف حوله لإخبارهم بما سمع.
وتجمعنا حول الدكتور الجمالي فقال الدكتور زريق: يا شباب، لدينا خبر مزعج جدًّا الأوْلى أن نتكلم فيه في بهو مدرسة الضيافة، فعجلوا بترك السيارات لنذهب جميعاً إلى هناك ونتحدث بما نريد أن نخبركم به.
في تلك اللحظة التي لا يعرفها ولا يمكن أن يصدقها من لم يشهدها ما سأرويه عنها مما وعاه سمعي ورآه بصري، وتغشّاني في مشاعري، انفجرت الشوارع المحيطة بالمكان الذي كنا نقف به على مدخل باب المدرسة بأفواج صاخبة، باكية، مولولة، مهرولة من رجال ونساء وأطفال، وقد علا ضجيجهم علواً كبيراً، كلهم يصيح: مات غازي، مات غازي.
وهرولنا خلف أساتذتنا إلى مدخل المدرسة، فإلى قاعة الطعام التي كنا فيها منذ نصف ساعة، وامتلأت المقاعد ووقف الدكتور فاضل الجمالي يروي لنا ما سمع، من أن الملك غازي قد لقي مصرعه في منتصف الليلة البارحة، في حادث غامض لا نعلم عنه شيئاً وقال: إنني إذ أنقل إليكم هذا الخبر الذي تلقيته كما رأيتموني منذ دقائق، سأترك للدكتور قسطنطين زريق ولزملائي الدكاترة حرية ما سيرون مما ينبغي على بعثتكم أن تتقيد به وتسير عليه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :533  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 33 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج