شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الناشر
لقد عاش معالي الوالد الشيخ عبد الله بلخير -أمد الله في عمره (1) - حياةً حافلةً بالعطاء، سواء في عمله الوظيفي بالدولة، أو نشاطاته الأدبية والاجتماعية التي أكسبته مكانة مرموقة في المجتمع، فظل ذلك النجم اللامع في عالم الأدب والشعر والثقافة، مؤثراً ومتأثراً بمعطيات جيله، حاملاً الحلم الأكبر لأمة إسلامية قوية، ووطن عربي يجمع كل أبناء العروبة من الخليج إلى المحيط دون حدود مصطنعة وحواجز مفتعلة.. وطارت أحلامه العظيمة بهذين الجناحين العملاقين.. وبنى أكثر شعره الملحمي على أسس راسخة من الفكر الديني العميق، والولاء المطلق لأمة عربية كان لها القدح المُعَلّى في ازدهار وتطور الحضارة الإنسانية.
لقد سعدت بالعمل مع معاليه كمدير للمكتب الخاص، ومن ثمَّ بالإضافة إلى ذلك كمدير عام للإدارة العامة يوم كانت المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر -ولم تكن وزارة الإعلام- بذلك شرفت بأن أكون من أكثر الناس احتكاكاً به، ومن واقع هذه الصلة الوطيدة، والمعرفة اللصيقة، وصداقة معاليه بوالدي مدى سنوات آخر مشوار حياته -رحمه الله- التي تُوِّجَت بإصدارهما كتاب "وحي الصحراء" الذي طُبع عام 1355هـ، هذه الصلة الوطيدة، والمعرفة الحميمة، تجعلني أؤكد بقاء الشعر في وجدان ونفس معاليه طوال الفترة التي أشار إليها المؤلف الأستاذ محمود رداوي بفترة الانقطاع عن العطاء.. حيث ذكر في تحليله من خلال هذه الدراسة القيّمة فترتين أبدع خلالهما معاليه قممه الشعرية وهما: فترة فتوّته وشبابه المبكر، وفترة ما بعد تقاعده عن العمل وسياحته في الأرض التي أوحت إليه بالكثير من روائعه الشعرية الخالدة، وقد أثبت المؤلف إنه من الصعب التفريق بين الفترتين في قوة الشعر ومتانة بنيانه.. ولا شك أن تواصل عطاء معاليه -رغم عدم نشره لإنتاج تلك الفترة الفاصلة- هو المؤشر الرئيسي في استمرارية الخط الشعري وانسيابه دون فاصل يؤبه له بين الفترتين اللتين أشار إليهما المؤلف الكريم.
إن الشفافية العميقة التي يتمتع بها معالي الشيخ عبد الله بلخير قد أعانته كثيراً على تجاوز ساحته المنغلقة في ذلك الوقت، حيث ولد معاليه في عام 1333هـ (1913م) وهي فترة شهدت عنفوان التحكم الاستعماري بمقدرات الأمة العربية وغيرها من الدول الإسلامية، وكانت أصوات الحرية والانعتاق مُكمَّمة، ولم تبد في الأفق أية أفكار لجمع شمل الأمة العربية وتوحيدها.. وحتى حركات التحرر من الاستعمار، الذي جثم على صدر معظم الدول العربية، ما زالت في مهدها تقريباً.. وليست هناك أية بادرة لجمع شمل الأمة العربية لتشكل كياناً واحداً أو تعمل لهدف موحد بالرغم من عناصر اللغة والدين والعرق التي تجمع بينها.. وهكذا جاء شعر معاليه في بدايات حياته غريباً عن البيئة التي نشأ فيها.. وأكبر بكثير من سنه.. سابقاً لأوانه، وأوسع أفقاً من فطاحل الشعراء والمفكرين الذين كانوا يسيطرون على الساحة في تلك الحقبة.. والأدلة على كل ذلك من شعر معاليه واضحة وجليّة، وقد وردت في سياق هذا الإصدار الذي بين أيديكم.
لقد كان معالي الشيخ عبد الله بلخير من الرعيل الأول الذي شهد مع جيله النهضة المباركة على يد مؤسسها وباني كيانها المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود -طيّب الله ثراه- حيث كانت فترة حافلة بجلائل الأعمال، ونكران الذات، والبعد عن الأثرة والأنانية بكل أشكالها، كان العمل ولا شيء غير العمل يستولي على مجامع القلوب والنفوس، فيظل الشخص المؤتمن على العمل يرعاه بعناية فائقة، ظهرت في الإنجازات الرائعة التي تمت تباعاً رغم الإمكانيات المتواضعة التي ميّزت تلك الفترة، وقد كان الإخلاص وصدق النية والعزم الكبير الذي امتاز به أولئك الرجال جعل همّهم مُنْصَبَّاً على تجويد ما أوكل إليهم، فإذا بهذا الكيان يقوم على عواتقهم قوياً معافى، حتى سلّموا الراية إلى الجيل التالي خفاقة شامخة.
وأحسب أن راحة الضمير لا راحة الأجسام.. كانت المطلب الأعز على ذلك الجيل الرائد الذي ينتمي إليه معالي شاعرنا الكبير، فقد كان يستنهض هِمَّةَ كل من يعمل معه ليكون بذات الحرص والتفاني اللذين لا يعرف سواهما، فكانت مرحلة خصبة من العطاء الخير الذي يُورث حب الوطن، والتضحية في سبيله بكل غالٍ ومرتخص.
خلال تلك الفترة التي استغرق العمل فيها كل الهم.. الخاص والعام.. لم يجد الشعر في وجدان معالي شاعرنا الكبير متنفساً غير أن يمور في داخله، وإذا اشتد أواره خرج مداداً على ورق سرعان ما يجد طريقه إلى الأدراج التي تزخر بكثير من القصائد التي ما زالت مخطوطة حتى يومنا هذا، على أمل أن تلامس حنين القراء والمحبين الذين تتحلق أفئدتهم وتهفو نفوسهم على امتداد الوطن العربي والإسلامي لهذه الروائع.
وآمل أن يسعد القارئ الكريم بسلسلة الحوارات التي أجراها الأستاذ الصحفي خالد باطرفي مع معاليه وسبق نشرها بجريدة "الشرق الأوسط" بعنوان "عبد الله بلخير يتذكر".. ويلي هذه الحوارات دراسة نقدية بقلم الأستاذ محمود ردّاوي، وقد سبق أن نشرت له ضمن "كتاب الاثنينية" مؤلفه القيم "عبد الله بلخير شاعر الأصالة والملاحم العربية والإسلامية"، ويطيب لي أن أتقدم بخالص عبارات الشكر والتقدير "للشرق الأوسط" الجريدة على ما قدمته من خدمة للمثقف العربي على امتداد الوطن العربي الكبير، كما أشكر الأستاذ الصحفي اللامع خالد باطرفي على اهتمامه بمثل هذه المواضيع الهامة التي تلقي الضوء على جوانب كثيرة من حياة روادنا الأفاضل.. والشكر موصولاً للأخ الأستاذ محمود رداوي على كريم اهتمامه وحسن اختياره لموضوع دراسته القيمة.
وإنني أتطلع بشوق كبير إلى نشر ديوان شعر معاليه متوجاً بالقصائد التي لم تنشر حتى الآن، ولعل في هذا أقل القليل الذي نقدمه وفاءً وعرفاناً وامتناناً لشاعرنا الكبير الذي أنار سماء أمتنا بعطائه الخالد على مر الأجيال.
عَبْد المقصُود محمّد سَعيْد خوجَه
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2318  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.