شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شكراً على الشفاء
نحمده تعالى على شفاء صديقنا د. زاهد محمد زهدي وعودته إلى دنيا الشعر والأدب، ومشاركته في الاحتفال المهيب الذي أقامه الشيخ عبد المقصود الخوجة احتفاء بمحمد مهدي الجواهري بمناسبة زيارته للمملكة العربية السعودية. وما من شخص أحب لنفس الشاعرين من الطبيب الذي يشفيه من علّة ألمّت به.
وكثيراً ما يتحير المريض المشافى كيف يردّ على طبيبه بهدية تعبر عن امتنانه له. وفي بريطانيا يعتبر ذلك ممنوعاً بإطار مشروع الصحة الوطني. سألت يوماً الدكتور وسام قندلا، الذي يعمل ضمن هذا المشروع: كيف أرد الجميل لطبيبي الذي أرهقته بمراجعاتي؟ فقال: انتظر حتى يتزوج ثم قدم له هدية بالمناسبة، قلت: إنه متزوج. قال: إذن انتظر حتى يطلق، وبين هذا وذاك يمكنك أن تستغل فرصة أيام الكرسمس فتقدم له هدية بسيطة كعلبة سيجار أو قنينة عطر، سيقبلها منك شاكراً.
بيد أن الموضوع متيسّر بالنسبة للشعراء، فلا أحلى على الطبيب من تسلّم قصيدة ظريفة من شاعر يشيد به ويثني على عمله. هذا ما حدث لصديقي محمود الهاشمي، الاختصاصي بأمراض العيون. زاره في بغداد صديقه الشاعر المحامي موسى الشماع فأجرى له عملية في عينه اليمنى تكللت بالنجاح التام. بعد سنوات أصيبت العين اليسرى بنفس العلّة، وفي ذلك الوقت أخذ الناس يحتقرون الطبيب ابن الوطن ويذهبون إلى لندن أو فيينا أو أمريكا. هكذا فعل موسى الشماع فأجرى له العملية أحد الأطباء الخواجات في لندن وشاءت الأقدار أن تفشل العملية ويحصل انفصال بالشبكية. عاد الشماع إلى بغداد وتذكر فضل صديقه محمود الهاشمي، فبعث إليه بهذه القصيدة:
كل شيء بقضاء وقدر
نفد الصبر إلى أين المفر؟
يا طبيب العين "محمود" الأثر
أنت لي نور إذا الدهر غدر
قد حباك الله حذقاً مبتكر
يدك البيضاء نبراس البصر
يا طبيب العين أصدقني الخبر
ليس في جسمي من الداء أثر
هكذا التحليل قد أنبأنا
إن هذا الأمر همّ وكدر
أنا أدري بالذي ما قد جرى
أن بركاني لعيني انفجر
ليس من يحمل قلباً نابضاً
مثل من يحمل قلباً من صخر
ليس من يجني ورداً عاطراً
مثل من يجمع شوكاً كالإبر
لو سقيت الورد دمعاً لم يدم
أقصر الأعمار أعمار الزهر
يذبل الورد ويبقى عطره
وكذاك الخلق ذكرى وعبر
يا طبيباً بارك الله به
وحمى أولاده من كل شر
البصر عنصر مهم عند الشعراء فبه يقرأون ما فاتهم ويتمعنون بما حولهم، فكما فعل موسى الشماع فعل مثل ذلك من قبل شمس الدين البغدادي عندما عالج عينيه صديقه الطبيب عمر رشيد الدين، فشكره بأبيات شبّهه فيها بالمسيح عليه السلام في إبراء الأكمه، فقال:
لسديد الدين في الطب يد
لم تزل تنقذ طرفاً من قذى
كم جلت عن مقلة من ظلمة
وأماطت عن جفون من أذى
لا يعاني طب عين في الورى
قط الأحاذق كان كذا
يا مسيح الوقت كم من أكمه
بك أضحى مبصراً ذاك وذا
فبآرائك للدّاء دوا
وبألفاظك للروح غذا
لك عندي منن لو أنني
شاكر أيسرها يا حبّذا
كثيراً ما يصبح المرض همزة وصل بين الشاعر والطبيب، ومن الملاحظ في هذا الصدد أن معظم الشعراء دأبوا على اختيار طبيب ممن يتذوّق شعرهم وأدبهم، وبما يؤدي في الأخير إلى توثّق علاقة صداقة، طرفها الأول المرض والدواء وطرفها الثاني التذوّق الفني. هكذا أصبح الجراح خالد القصاب صديقاً للرسام فائق حسن، وأصبح البروفسور هاشم الوتري صديقاً للشاعر محمد مهدي الجواهري.
وهكذا أصبح الشاعر العباسي المعروف بكشاجم صديقاً ودوداً للطبيب الذي سهر على صحته ودأب على عوده، وكان هذا طبيباً على أسلوب أطباء تلك العهود، أي عالماً يجمع بين الطب والفلك والفلسفة والأدب. غدا كأيبوقراط في الطب وسقراط في زهد الفلاسفة. فنظم فيه كشاجم هذه الأبيات يتغنّى فيها بلطفه وأنسه وعلمه وحذقه:
الحمد لله قد وجدت أخاً
لست مدى الدهر مثله واجد
أسكن في صحتي إليه فإن
مرضت كان الطبيب والعائد
ينظر في الجد والحظوظ ولا
ينتقد النطق مثله ناقد
حنّ على كل من يعالجه
من الشقيق الشفيق والوالد
يعلم من قبل أن يخاطبه
ما هو من كل علّة واجد
كأنما طرفه بمبضعه
متّصل في طريقه القاصد
بقراط طباً وفي التجنّب
للذات سقراط ذلك الزاهد
فأسلم على الدهر يا أبا حسن
يفديك من لم تكن له حاسد
فيك حياة وأنسة رخصت
بالنفس دون الطريف والتالد
 
طباعة

تعليق

 القراءات :505  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 62 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.