الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

ألا ليت الشباب يعود يوماً!

كثيراً ما يحدث للشاعر أن يهجر الشعر أو يهجره الشعر، لآنٍ من الزمن، وبين الفينة والفينة، وأحياناً الى غير رجعة. ويثير لذلك تساؤل محبيه وأصحابه وهواة شعره. وكان من ذلك ما لاحظه الشيخ بهيج تقيّ الدين في عمّه الشيخ أمين في لبنان، فكتب إليه هذه الأبيات، يعاتبه ويستحثّه ويذكره بسالف جولاته وصولاته في عالم الشعر والهوى:

إنما الشعر يشكتي من صـدودك

هل نسيت الهوى وماضي عهودك!

كنت بالأمس ترسل الشعر طلقاً

والقوافي عصيّهـا مـن عبيدك

و"الزهور" التي كان فيها أريـج

إنما كـان فوحهـا مـن ورودك

قرأها الشيخ أمين فعلّق عليها بنبرة حزينة:

تركت لك العرائـس والزهورا

وفوح الـروض والمـاء النميرا

هي الستـون تلجمنـي حيـاء

وحقّك إن فـي صـدري سعيرا

أخوك لها وأنت لـها بـهيـج

فعمّكما غدا شيخاً وقورا

إذا كانت الستون عاما قد جعلت الشيخ يهجر الهوى والنسيب، فلوديع نقولا حداد رأي مخالف أفضى به لأصحابه، حين قال:

إن صرت في التسعين

أبقى مولعا بالغانيات

تلك الأزاهير التي

بروائها تزهو الحياة

هي الحياة وطيبهـ

ــن يفوق أشذاء النباتْ

وقف على محبة الـ

ـغيد الحسان الفاتناتْ

يا ليت لي تسعين عينـ

ـناً كي أحدّق بالبناتْ

ما كنت أشبع من جما

ل عيونهنّ الناعساتْ

مرّ بمثل ذلك الشاعر فخري البارودي، فأخذ أصحابه ينتقدونه على تماديه في حب الحسان والتصبب بهن رغم تقدّمه في السن، فأهاج ذلك قريحته الشاعرية، فرد على لومهم قائلا:

جلابيب الصبا عتقت

وأحلامي كما عرفت

"ونفس لم تزل خضرا"

وممراحاً كما خلقت

وطول العمر لن تبلى

ولو لألف قد وصلت

وحسادي وإن كثروا

ودعواهم وإن نشطت

بحقٍّ أو بلا حق

وإن خفّت وإن سمجت

دعايتهم على ذنبي

بهذا اللّوم ما علقت