شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الهدية والهبة والرشوة
كثيراًً ما يتناول الشعر الإخواني موضوع الشكر والامتنان بشأن الهدايا التي يتبادلها الإخوان وقد أورد الدكتور محمد عثمان الملا مقارنة لطيفة في الفروق بين الهدية والرشوة. الهدية تعطى من الداني الى العالي أي من المرؤوس الى الرئيس، والهبة تكون من العالي الى الداني، ولهذا يقال أن الله تعالى وهب ابن آدم كذا وكذا ولا يقال أهدى وكلتاهما مجردتان من المصلحة على عكس الرشوة التي ترتبط بكسب مصلحة معينة.
توجد في الأنظمة الديموقراطية مقاييس دقيقة للتمييز بين الهدية التي يجوز للموظف قبولها والرشوة التي لا تجوز له ولوزارة الخارجية البريطانية مثلا مقاييس محددة في ما يجوز لدبلوماسييها قبوله أو عدم قبوله. ولكن شاعرنا الفيلسوف الزاهد ابا العلاء المعري سبق ففطن الى ذلك فقال:
قبول الهدية سنة مستحبة
إذا هي لم تسلك طريق تحابي
هنالك ثروة ضخمة من الشعر في ما قاله اصحابه شكرا على ما تلقوه من هدايا وجل الشعراء كانوا وما يزالون يعيشون على الهدايا فلا عجب أن يبدعوا في الشكر على ذلك. بيد أن الصنوبري خرج عن هذا النطاق عندما أصبح هو المهدي الذي أهدى شمعا لصديق له مع هذه الأبيات:
يا أبا حفص قد اختر
ت فلم آلي اختيارا
وتأملت الهديا
ت كبارا وصغارا
لم أجد شيئاً كشيء
يجعل الليل نهارا
فتأمل من بعيد
شجراً يحمل نارا
واكسها منك قبولا
تكس مهديها فخارا
بيد أن من أظرف ما قرأت في هذا الخصوص القصيدة التي بعث ابن عنين إلى صديقه الشريف الكحال، وكان هذا قد أهداه خروفاً نحيفاً ضعيفاً يستحق الشفقة أكثر مما يستحق الذبح والأكل، وقد خيّل للشاعر أن هذا الخروف قد وقع في هوى الحبّ فناله الهزال وعف عن الأكل الحلال، فبعث للمهدي بهذا الشعر يشكره فيه ويداعبه معاتباً:
أبو الفضل وابن الفضل أنت وكربه
فغير بديع أن يكون لك الفضل
أتتني أياديك التي لا أعدها
لكثرتها لا كفر عندي ولا جهل
أتاني خروف ما شككت بأنه
حليف هوى قد شفّه الهجر والعذل
إذا قام في الشمس الظهيرة خلته
خيالاً سرى في ظلمة ما له ظل
فناشدته ما تشتهي قال قتة
وقاسمته ما شفّه قال لي الأكل
فأحضرتها خضراء مجاجة الثرى
مسلمة ما حصى أوراقها الفتل
فظلّ يراعيها بعين ضعيفة
وينشدها والدمع في العين منهل
"أتت وحياض الموت بيني وبينها
وجاءت بوصل يوم لا ينفع الوصل!"
لا شك أن تبادل الهدايا يعطي مناسبات خصبة للشعراء يعبّرون فيها بصحبة الهدية عن مشاعر ودهم وتقديرهم لأصدقائهم مع اشارات طريفة حلوة كما جرى في عام 1912 عندما تفضل أمين تقي الدين فأهدى لصديقه رشيد نخلة قصعة من الإجاص اللبناني اللذيذ أرفقها برقعة كتب عليها بخط يده:
غرست لكم في القلب روض محبة
تعهده ماء الوداد فأزهرا
قطفت لكم من الإجاص بقصد أن
تؤكد أن الحب في القلب أثمرا
أكل رشيد نخلة ما وجد أمامه من الفاكهة، ثم أعاد القصعة فارغة إلى أمين تقي الدين ومعها هذين البيتين:
شاء الفؤاد بأن يعدّ هدية
لأمين من أثمار يانع روضه
لكنما قلبي تنازعه الهوى
فتساقطت أثماره في أرضه
كان هذا من جميل الود والاحترام، بيد أن الشعراء كثيراً ما يستغلون الهدية لمداعبة إخوانهم. وقد وردت في ذلك أبيات وقصائد في غاية الظرف استشهد منها بالأبيات التالية، كان الأديب المهجري توفيق ضعون قد زار صديقه الشاعر نعمة قزوان الذي كان بالأضافة الى قرض الشعر يملك مصنعاً شهيراً للأحذية، فانتهز فرصة زيارة صاحبه له فأهداه زوجاً من الأحذية الأنيقة، وأصبح الحذاء مناسبة لمداعبة إخوانية بديعة بعد أن قال المهدي:
لقد أهديت توفيقاً حذاء
فقال الحاسدون: وما عليه؟
أما قال الفتى العربي يوماً
شبيه الشيء منجذب إليه؟!
فرد عليه توفيق ضعون بهذين البيتين:
لو كان يهدي إلى الإنسان قيمته
لكنت أستأهل الدنيا وما فيها
لكن قبلت بهذا النعل معتقداً
أن الهدايا على مقدار مهديها!
وأهدى الشاعر أحمد الصافي النجفي كتاباً الى صائب سلام مع هذين البيتين كتبهما على الكتاب:
سِنّي بروحي لا يعد سنين
ولأسخرن غدا من التسعين
عمري من السبعين يركض مسرعاً
والروح باقية على العشرين
بيد أن الشاعر النجفي انتبه في اليوم التالي الى خطئه في الكشف عن عمره الحقيقي، وهو ما يتاحشاه الشعراء، فبعث بتصحيح للبيت الثاني استبدل فيه "من" بـ "إلى" ليصبح البيت كالتالي:
عمري "إلى" السبعين يركض مسرعاً
والروح باقية على العشرين!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2568  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج