عندما يلعب الإخوان بأسماء الإخوان! |
من المميزّات الأصلية والغالية في الشعر الإخواني اللعب على الأسماء بما يعطي نوعاً خاصاً من التورية الظريفة. هكذا جرى بين الشاعرين عبد الله البستاني ومعروف الرصافي، وكانا قد جلسا واحتسى كل منهما شيئاً من القهوة نخباً للآخر، فقال عبد الله البستاني: |
إني لأ شربها على ذكر امرىء |
هو بالفصاحة والنهى موصوف |
إن كنت تنكر فليس بضائر |
أبداً عليه، فإنه "معروف" |
|
وأجابه معروف الرصافي بهذين البيتين، اختلفا في القافية وتلاقيا بالأسلوب والمقصد: |
إني لأ شربها على ذكر امرئ |
الفضل فيه ليس بالمتناهي |
إن الفصاحة والبلاغة والنهي |
والفضل أجمع عند "عبد الله" |
|
وعلى غرار ذلك، اجتمع الشيخ ناصيف اليازجي بالسيد مصباح البربير وجرى بينهما حوار أحاط بالأدب من شتّى أطرافه، وخلص منه اليازجي بهذين البيتين: |
برعت والله في قول وفي عمل |
لفظاً ومعنى وتهذيباً وإفصاحا |
أعطاك ربّك نوراً يستضاء به |
فقد اصاب الذي سمّاك "مصباحا" |
|
أجابه السيد البربير ببيتين من نفس الوزن والقافية والخاتمة: |
يا من غدا شعره الشعرى فكان لنا |
قاموس فضل وللتخليص إيضاحا |
لأنت شمس علوم حين مطلعها |
كم أخجلت قمراً يزهو و"مصباحا" |
|
جرى كل ذلك من منطلق المديح والإطراء، ولكن الإخوانيات لا تأخذ دائماً هذا المسار منها يجري مجرى التعريض المؤدّب والظريف، كما حدث لمحمود سامي البارودي عندما التقى بإمام العبد، المنكّث المصري الظريف، وكان أسود اللون، بادره البارودي قائلاً: ما رأيك يا إمام في قصيدة المتنبي التي مطلعها: |
عيد بأية حال عدت يا عيد |
بما مضى أم لأمر فيك تجديد |
|
وكان بذلك يغمز قناته بالإشارة إلى قول المتنبي: |
لا تشتر "العبد" إلاّ والعصا معه |
إن العبيد لأنجاس مناكيد |
|
بالطبع فطن إمام العبد إلى مقصد محمود سامي البارودي في مداعبته، فأجابه بأحسن منها وقال: مفيش كلام! قصيدة رائعة، وخصوصاً عندما يقول الشاعر: |
ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن |
يسيء لي فيه عبد وهو "محمود"! |
|
ومن قبيل ذلك ما جرى بين الشاعر الساخر الضاحك محمود غنيم وصديقه الشاعر محمود الخفيف، عندما دعاه هذا إلى بيته وتلكّأ في تقديم الطعام، فخاطبه محمود غنيم قائلاً: |
أيها الشاعر جعنا |
هات لحماً ورغيفا |
وأسقنا شاياً ثقيلاً |
لعن الله (الخفيفا)! |
|
وكان المرحوم محمود غنيم قد وقع هو نفسه ضحية لمثل هذه التورية الطريفة عندما مازحه صديقه محمد الأسمر بقصيدة نوّه فيها إلى بخل صاحبه، فقال: |
صرت ( محموداً) جديداً |
بعدما داويت داءك |
|
وحدثت مناوشة شعرية بين الكاتب السياسي العراقي فهمي المدرس والشاعر جميل صدقي الزهاوي عندما دعي الاثنان مع غيرهما من الأدباء لزيارة الملك فيصل الأوّل رحمه الله ملك العراق، وتولى فهمي المدرس تنظيم الجلسة ولم يحسن اختيار المقعد الملائم القريب من الملك لزميله الشاعر، وكان الزهاوي ممّن يحب التقرّب للملك فأغاظه ذلك، فلما خرج قال لأصحابه هذين البيتين اللذين غمز بهما قناة صديقه الأديب فهمي المدرس: |
أنا لو كنت بليداً |
فاز في الأسهم سهمي |
إنما آخرني اليوم |
على الأقران (فهمي) |
|
سمع بذلك المدرس فردّ عليه فوراً: |
أنا لو كنت بليداً |
طاش في الأسهم سهمي |
إنما قدّمني اليوم |
على الأقران (فهمي) |
|
اشتهر أيضاً في تلك الحقبة من تاريخ العراق الحديث الشاعر عبد الرحمن البنّا، وقد سأله يوماً صديقه الكاتب الصحافي الهازل "حبزبوز": لماذا سمّيت نفسك بالبنا دون سواه من الألقاب؟ فأجابه منشداً: |
أنا (البنا) من غير افتخار |
قضيت العمر في ماء وطين |
بنيت لهم ورب البيت مجدا |
على العيوق من (قلم ونون) |
|
فردّ عليه حبزبوز قائلاً: هذا ما لا يجوز لك، إذ أن ن وَالقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ من كلام الله عزّ وجلّ، والبناء لا يشتغل بالقلم والدواة وإنما بالفأس والمعول، فأنت كمن يفتري على الله كذباً. |
|