شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الناشر
هنالك أشياء صغيرة في حياة البشر تجعل حياتهم ماتعة وسهلة، أو تقلبها رأساً على عقب، وتجعل ألوانها قتامة وشحوباً... وهذه الأخيرة لا تعنينا في هذا السياق، ربما لأن انتشارها في هذا العصر كاد أن يصبح القاعدة، بينما انحصرت الأولى في لمحات قليلة، وأضحى البحث عنها يتطلّب مجهوداً لا يتوافر للكثيرين وسط اللّهاث، والتلوّث البيئي بمختلف أشكاله وألوانه، تلوّث في السماع والرؤية، والاستنشاق والزفير، واختلاط في المعايير والموازين والمواصفات.
بين هذه الفوضى... تطلّ علينا أحياناً بسمة طفل غرير توقظ في النفوس حبّ الجمال والحياة، ونبصر رعشة صغير بلّله القطر، ونملة تمثّل ذرّة في طابور طويل تنبىء عن الإصرار والنظام، وفراشة تعانق زهرة وتفتحان آفاقاً من التأمّل في ملكوت الله وخلقه العظيم وكونه اللامتناهي... وقد نسعد بكتاب بين دفّتيه شيء من عناصر الكمال والسموّ والمتعة، وما أقل الكتب التي تشقّ طريقها وسط هدير المطابع حاملة البسمة والطرفة والمفارقة والمفارقة اللاذعة الساخرة.
لقد ظلّ الأدب الساخر، ولوقت طويل، عملة نادرة في سوق الأدب، وربما حتى في الآداب العالمية لم ينل هذا الضرب من الكتابة نصيبه المناسب... ولا أعني أدب الاستهلاك والضحك على الذقون والتهريج الأجوف... وإنما أعني الأدب الذي يخاطب العقل ثم ينتزع البسمة رغم المنغّصات والعوائق الكثيرة التي تتكاتف ضدّها... ولعلّ من بين الفرسان القلائل الذين ولجوا هذا الباب واستطاعوا بمثابرتهم ترسيخ أقدامهم بين روّاده الأوائل والمعاصرين، الأستاذ خالد القشطيني، الذي أتحف القرّاء ردحاً من الزمن بالكتابة الساخرة عبر زاويته اليومية "صباح الخير" التي كانت تنشر في جريدة "الشرق الأوسط" ثم اتخذ لها اسم "أبيض وأسود" سائراً على نفس النهج في تغذية الروح والوجدان بأحاديث الأصدقاء التي تلفها روح المودّة والمرح والفكاهة، فتجيء أشعارهم واضحة المرامي، بيّنة القصد، بعيدة عن الرمز والتهويم والإغراق في الغريب.
وقد أحسن الأستاذ القشطيني صنعاً بجمع هذه المقالات في كتاب يحفظها من الضياع والتلف كما حدث لغيرها عبر العصور، حيث لم يصلنا من هذا النوع من الشعر إلاّ النذر اليسير، ربما لأن ظروف الحياة في الحقب الماضية لم تكن تسمح بتداول الشعر الساخر على أساس أنه يحتوي شيئاً من الخصوصية
والذاتية، وربما رأى البعض -وخاصة الرواة- أنه لا يحمل زخماً يستحق عناء الحفظ والترديد في المجالس، في الوقت الذي يميل الناس إلى الرومانسية والغزل، أو بعض الجد الذي يحاولون أن يصبغوا به الحياة اليومية التي تكاد تخلو من البسمة، فيتحلّقون حول أشعار عنترة بن شدّاد، ويردّدون قصائد مجنون ليلى، ولكنهم ينأون عن تداول شعر الفكاهة والسخرية، باعتباره شيئاً لا يليق بالمجالس العامة... ولعلّ هذا من الأسباب التي أدّت إلى نقص مواردنا من هذا الأدب الذي أثبت أهميّته في الحياة المعاصرة، لأنه على الأقل يساهم في تقليل الضغوط النفسية والعصبية التي تصيب الكثيرين بالاكتئاب والاختناق في غياب الكوميديا الراقية التي تخاطب العقل، وتعطي البسمة مكانها الطبيعي والمطلوب، والذي يزيد يوماً بعد يوم.
وإسهاماً من (كتاب الاثنينية) في إيجاد نافذة يطلّ منها القارىء الكريم على حديقة الشعر الفكاهي، ونماذج من الأدب الساخر، والكلمة الرفيعة التي تخاطب العقل، وتترفّع عن الانحطاط الذي يقع فيه البعض جرياً وراء المادّة، والضحك من أجل الضحك، وإهدار الوقت، فقد رأيت أن أشارك بجهد المقلّ في نشر هذا الكتاب، راجياً أن يجد فيه القارىء الكريم شيئاً من المتعة الراقية، والترويح المحبّب عن القلوب، حتى تجلو صداها، وتعود لحياتها أكثر بهجة وقوّة وعافية وتمكّناً من مجابهة الواقع الذي قد يكون مريراً في بعض الأحيان.
عَبْد المقصُود محمّد سَعيْد خوجَه
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1784  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج