مَنْ لهذا المدارِ الذي كان مُكتسياً |
بالنَّدى.. والهديلْ؟ |
كانَ مؤتلفَ القلبِ |
مؤتلقَ الوجهِ |
تَرْفُلُ أغصانُ غَوطَتِهِ في الفَضاءِ الخَضيلْ! |
مَنْ لهذا المدارِ المهوِّمِ |
في رَسَنِ الريحِ |
مُنتثراً |
مِنْ تلابيبِ خيطٍ نحيلْ؟ |
يتدلَّى على غسقِ الموتِ |
مُنْتكساً |
في مَقامِعِ فَيْلَقِه الدَّمويِّ البَديلْ! |
يتدلَّى على غسقِ الموتِ |
فوق الجماجمِ |
لا الفجر يُسبِلُ نُورَ جَناحَيْهِ.. |
أو يتألَّفُ عُنقودَ أجراسِه |
الزمنُ العربيُّ الضَئيلْ! |
* * * |
يا صباحاً |
على سَوْسَنِ الماءِ، |
ما بالُ سَوْسَنِكَ المتباسِقِ |
شذَّ عن الفننِ العربيِّ البَليلْ؟ |
باذخاً كانَ، |
عَذْبَ الغمائمِ.. |
كنا نُراوِدُ ريحانَ أنوائِه |
أن يكونَ الرَّخيَّ.. المُنيلْ! |
باكرتْنا حَمائمُه البيضُ |
بين العناقيدِ.. |
كنُّا نَئولُ إلى غُصْنها.. وتَئولْ! |
في خليجِ جناحَيْكَ، |
كنَّا نُبادِرُ آصِرَةَ الزَّهْرِ |
كَيْلا يفضَّ عُراها المحُولْ! |
أمحلتْ في العراقِ الشقائقُ |
ممهورةً بالحِرابِ |
ومحنيَّةً في الكبولْ! |
نَاهِضي يا رياحَ الشواطئ |
نارَ البُروقِ المُغِيرةِ |
واكتسحي عُرْيها في التُّلولْ! |
* * * |
في العراقِ الذي يتدلَّى على لهبِ الموتِ |
يخفُتُ صوتُ العراقِ النبيلِ |
ويَبْرُقُ صوتُ العراقِ الذليلْ! |
في العراقِ المُبلَّل بالنَّوْءِ والدَّمْعِ |
والانتظارِ الخجولْ. |
في العراقِ الظليلْ. |
يتكسَّرُ ظِلُّ الفُراتِ |
وتُطرِقُ دِجْلَةُ |
كابِيةً في الأصيلْ! |
كيفَ هذا الذي يتجهَّمُه الحزنُ |
والخيلُ تحْجِلُ |
مصبوغةً بدماءِ الخَميلْ؟ |
كيف هذا الذي يتناغمُ بالصمتِ |
والسَّادةُ الهانِئونَ |
يُوارونَ أعناقَهمْ |
عن جراحِ الطُّلولْ؟ |
ولماذا تَنوءُ السَّماوَةُ |
في القمعِ، |
وهْيَ تُعانِقُ وجهَ الضَّليلْ؟ |
* * * |
أزمرُّدةَ الشَّاطئينِ، |
أفيقي! |
أما كنتِ دُرَّةَ ذاكَ الزَّمانِ الحَفِيلْ؟ |
كنتِ تفتحينَ فضاءَ يدَيْكِ |
بِزهرِ الحُقولِ، |
وتبتدرينَ بنيكِ بوجهٍ جَليلْ! |
كنتِ في الضِّفَّتينِ |
مَنارَ المدائنِ؛ |
ما يتصبَّاكِ إلاّ: البَهِيُّ |
الأبيُّ.. الوَصُولْ! |
- أتُفيقينَ؟ |
ما زالَ بين قناديلِ نهرِكِ: |
ذاكَ الجَفولُ من القيدِ، |
ذاكَ الأَنوفُ الحَمولْ! |
* * * |
أيُّها العربيُّ الأبيُّ، |
مضى زمنٌ كنتَ فيه تُغامرُ |
بالياسمينِ المندَّى بصوتكَ.. |
قبلَ الأُفولْ! |
حينَ كنتَ تُداري |
أهِلَّةَ مائكَ |
مُؤتزِراً بالنخيلْ! |
حينَ كنتَ الجميلَ.. الجميلَ، |
وكانَ مَدارُكَ |
رُؤيا الزمانِ الأَثيلْ! |
حين كنتَ الكثيرَ، |
وكانتْ سيوفُ مَرامِيكَ |
تشحذُ ميقاتَ أفقٍ جَفولْ! |
أيُّها العربيُّ الأبيُّ، |
مضى زمنٌ |
كانَ فيه الغزاةُ يُساقُونَ |
تحتَ لواءِ الكميِّ الدخيلِ، |
وها.. نحنُ في زمنٍ؛ |
مِنْ تُخومِ العروبةِ تنهلُّ خيلُ المغُولْ!! |
جافِلاتٌ.. |
تعفِّرُ زُخرُفَها |
في دمِ الجسدِ العربيِّ الكليلْ! |
* * * |
أيُّها العربيُّ الحَفولْ |
كنتَ في المِهْرجانِ |
تُلوِّحِ باسم الطواويسِ؛ |
كيفَ -ترى الآن- مرآة |
ذاكَ الوِعاءِ الثقيلْ؟ |
هَلْ تُعاطِرُ طاووسَكَ المستحيلْ؟! |
للشَّمالِ تواشيحُه البارِقاتُ |
علينا، |
فكيفَ الجنوبُ العليلْ؟ |
تتقازمُ فيه العقولُ |
وينهمِرُ الجوعُ |
والحلكُ المستديرُ المَهُولْ! |
والذي بينَ أطيارِ هذي الخَميلةِ |
صار بأيدي |
الجهولِ.. العميلْ! |
يَثِبُ الخامِلُ المستريبُ |
إلى سُدَّةِ الضَّوءِ |
ينثرُ أطواقَه في الرِّقابِ |
ويطوي الصباحَ البتولْ! |
ما الذي في الكِنانةِ؟ |
ما قضُّها.. والقضيضُ؟ |
وما ضِغْثُها.. والفُضولْ؟ |
ما الذي تنتقي من كتابِ الحياةِ؟ |
فما ثَمَّ إلا ضجيجُ |
قِناع هزيلْ! |
كُلَّما نَمَّ في البَوْنِ أفقٌ، |
تنحَّى له غائلٌ.. |
وخَذولْ! |
إن تيامَنْتَ |
كنتَ العَتِيقَ المسجَّى! |
وإِمَّا تياسَرْتَ، |
فِئْتَ إلى خَدَرٍ من شَعَاعٍ نَثيلْ! |
إنَّه الحزنُ ينهضُ في القلبِ |
مُجترحاً زمناً لانكسارِ الخليلِ، |
وذبحِ الخليلْ! |
كُلُّنا نتجرَّعُ أكؤسَنا الدَّامياتِ |
على جُثث |
في نجيعِ الحواشي تسيلْ! |
كُلُّنا نتهامَى |
وكلٌّ -على همِّه- |
يتقلَّبُ في جمرةِ الصمتِ، |
أو يتملَّى مَساحِبَ طاووسِه المستحيلْ! |
* * * |
أيُّها العربيُّ المكلَّلُ بالنَّارِ |
من نقماتِ الخليجِ |
إلى عتماتِ المحيطِ، |
تيقَّظْ.. فأنتَ الحصانُ القتيلْ! |
وتوجَّسْ مَطالِعَ لَيْلِكَ |
مِنْ سَلْسَبِيلِ المياهِ |
إلى الأرخبيلْ! |
أنتَ أولُ من يَحْتَبي |
في زوايا المحارةِ |
مُرتفقاً بالسُّهادِ الطويلْ! |
أنتَ آخرُ من ينتضي |
قُوتَ ساعدِه المتجهِّمَ |
مُنكفئاً بالقليلِ.. القليلْ! |
قِفْ! |
تأمَّلْ خُيولَ المُغيرينَ |
في ساحةٍ |
تَتَصَافَنُ |
فوقَ سَنابِكها الجارحاتِ الخُيولْ! |
هَلْ ترى غيرَ وجهِكَ: |
هذا المغضَّنِ بالقَهْرِ |
هذا المعفَّرِ بالصَّهْدِ |
في نمنماتِ الذُّبولْ؟ |
بينَ أزهارِ صَرْحكَ |
والصَّوْلجانِ المُزجَّجِ بالنَّهْرِ |
نَصْلٌ يصولُ، |
وريحٌ تصولُ! |
وأخٌ يتنفَّجُ بالورْدِ، |
والليلُ مُحْتلِكٌ |
في الإهابِ الخفيِّ الصَّقيلْ! |
فحذارِ! حذارِ! |
فإنَّ أخاكَ المقارِبَ |
قد يتصوَّبُ أطيارَ بابِكَ |
حينَ تُغِيرُ الفُصولْ! |
وحذارِ! حذار! |
فإنَّ أخاكَ المخاتِلَ |
يرقبُ مِنكَ مُخالَسَةَ الوقتِ |
كيما يَجُولْ! |
(وسِوَى الرُّومِ من خلفِ ظهرِكَ رُومٌ |
تجوسُ المدى |
فعلى أيِّ جنبيكَ سوفَ تميلْ؟) |
يا حبيبي، |
ترقبْ تُخومَكَ؛ |
فالأرضُ حينَ تدورُ.. |
تدورُ الذُّيولْ! |
يا حبيبي، |
شَمالُكَ ما عادَ ذاكَ الشَّمالَ |
وما عادَ هذا الجنوبُ |
يُطالِعُنا بالأصيلْ! |
يا حبيبي، |
فضاؤكَ لؤلؤةٌ |
في نِصالِ البعيدِ الغريبِ |
وياقوتةٌ |
في مِطالِ القريبِ الخَتُولْ! |
أيُّها المتنامي على زَنْبَقِ الوهمِ، |
ما عادَ وهماً! |
ألا تبصرُ -الآنَ- ما كانَ مُستتراً |
في السَّديم الأَسِيلْ؟ |
فتلمَّسْ خُطاكَ |
تمثَّلْ رؤاكَ |
تدبَّرْ فُلولَ جناحَيْكَ |
قبلَ ابتدارِكَ نارَ الفَتيلْ! |
واطَّرِحْ عنكَ أبرادَ عطرِكَ |
فالطيرُ حولَ بُروجِ النَّدامَى شُكولْ! |
والطيورُ على مثلها تتداعى |
وتنكبُّ في رَنَقِ الموجِ |
وهْيَ تَطُولُ -على جهلِها- ما تَطُولْ! |
وحواليكَ، |
مما ترى العينُ أو لا ترى |
حَفْنةٌ من صميمِ العُرى |
لَوْ ترى!.. |
إنهم لاقْتِسَامِ السِّباءِ مُثولْ! |
لا تُقايضْ على نُورِ وجهِكَ |
مَنْ يتنكَّبُ |
ماءَ بني عمِّه.. والخُؤولْ! |
مَنْ يُواطِئُ سَرْحَ الحُواةِ |
ومَنْ يتحرَّفُ عن قسماتِ القبيلْ! |
وأَدِرْ لبلادِكَ ماءَ السَّواقي |
فأرضُكَ أحرى |
بهذا الحِباءِ الجزِيلْ! |
أتَرَى -الآنَ- حولَ خليجِ مَنارِكَ |
بارِقةً تتجاسَرُ |
بينَ أعِنَّتها السَّابِغاتِ النُّصولْ؟ |
يا إناءً ترنَّقَ |
في يدِ غِرٍّ غَلولْ. |
يا فضاءً تَوانى، |
فأرختْ عليه الليالي السُّدولْ. |
يا كتاباً |
تمشَّتْ عليه فصولٌ |
مِنَ السَّمْهَرِيِّ المُدِيلْ. |
تتناءَى الصَّبَا |
والنَّدى |
والغمامُ الهَطُولْ! |
مَسَّنا الغُلُّ حتى كَبِرْنَا |
ولمْ ندرِ ماذا نقولْ؟ |
قَيْدَ أُنْمُلَةٍ مِنْ دمِ الوقتِ |
نَغْمِسُ أقواسَنا.. أو نَزُولْ! |
* * * |
يا عراقْ، |
يا صِباً كان حُلْوَ المذاقْ. |
يا دماً لا يُطاقُ |
رؤىً لا تُطاقْ! |
يا جَريحاً.. كسِيحاً |
طريحَ الوِثاقْ! |
كمْ شَدَدْناكَ بالحُبِّ؛ |
كيفَ تضِنُّ علينا ببعضِ العِناقِ، |
وبعضِ الوِفاقْ؟ |
آهِ.. ما أكثرَ الحزنَ حينَ يُطوِّقُ نهرَ العراقِ |
ونخلَ العراقِ |
ونجمَ العراقْ! |
كُلَّما نزفَ القلبُ حزناً |
بكيْنا العراقْ! |
كلَّما أسبلَ الدَّمْعَ: طفلٌ |
بكيْنا العراقْ! |
كُلَّما انتقضتْ في النُّذورِ الأجِنَّةُ، |
مخضوبةً بنجيعِ الدِّماءِ العِتَاقِ |
بكيْنا العراقَ |
بكيْنا العراقْ! |
كُلَّما انهمرتْ في العراقِ النَّوارِسُ |
مَوْشومةً بجراحِ العراقِ، |
بكيْنا العراقَ |
بكيْنا العراقَ |
بكيْنا العراقْ! |
كُلَّما انتكسَتْ في العراقِ المآذِنُ |
مَجْدُولةً بالعراقِ المسَجَّى |
بكيْنا العراقَ |
بكيْنا العراقَ |
بكيْنَا! |
يا عراقُ الذي سَلَّ نارَ الفِرنْدِ |
وفتَّح جُرْحَ السَّوادِ الوَبِيلْ. |
يا عراقُ الذي أنجبتْه الميامينُ |
هَلْ تَقْبُرُ الشغفَ العربيَّ النبيلْ؟ |
يا عراقُ انتفضْ! |
يا عراقُ انبثقْ! |
يا عراقُ، تحسَّسْ جِراحَكَ |
أَحْكِمْ سِلاحَكَ |
أَطْلِقْ سَراحَكَ |
وانهضْ إلى دُرَّةِ الماءِ.. |
إنَّ الذي ضيَّعَكْ |
لَنْ يكونَ مَعَكَ! |
يا عراقَ الجيادِ، |
عراق الصهيلِ: |
امْتثِلْ مِنْ زَنيمِكَ |
قَبْلَ ارتِسَامِ دَمِ العارِ |
في كُلِّ جِيلْ! |
يا عراقَ المياهِ، |
عراقَ النخيلِ: |
أَفِقْ! |
إنَّ هذا أوانُكَ |
قبلَ انتِثارِ الغِشاءِ النَّسِيلْ! |
أتَرى ما نراهُ؟ |
أتُدرِكُ ما خبَّأَتْه: الذُّرا |
والثَّرى |
والسُّهولْ؟ |
هَلْ تُلامحُ بينَ زِنادِ الرَّحَى |
ما انتضاهُ الكَمِينُ المزجَّجُ بالصَّحْصَحَانِ |
لتَعْرَى قِلادَةُ هَذي العُرى |
والشُّمولْ؟ |
طوَّقتْكَ مَخالبُ هذا الزَّمانِ الرَّديءِ |
الرَّديءِ |
فهلْ تستضيءُ؛ |
فتنتضحَ عَنْ بُؤْبُؤِ الرَّافِدَيْنِ |
السَّوادَ الخَبيءْ؟ |
* * * |
يا عراقُ، |
ويا نخلُ، |
يا ظِلُّ، |
يا أقحوانَ الرُّصافَةِ، |
يا ماءُ، |
يا سلسبيلْ، |
هلْ تُظَلِّلُ بيضُ الحمائم |
وجهَ العراقِ المَحُولْ؟ |
أيُّها العربيُّ الأبيُّ |
الفتيُّ |
العِصيُّ |
الأصيلُ |
الملولُ |
القليلُ |
أَفِقْ! إنما أنتَ –حينَ تُفِيقُ– الجميلْ!! |
* * * |