أبا مازنٍ
(1)
، هل جئتَ بـ "الناي" مُؤْذِنا؟ |
تَخِـفُّ إلى جَمـر السؤال مُدَندِنا؟! |
طلعتَ علينا في إهابك ناصعاً |
مَهيبـاً؛ بمـا رَقرقتَ في نَـبرة المُنى! |
تُفَضْفِضُ عمَّـا في الشَّغاف من الشَّجا |
مُذيعـاً على الرَّبـع الرسالـة مُوقِنا! |
وتَذرو علـى نَبض المواجـع لَذْعَـةً |
من الشجن الممتـد في نَأْمـة الضَّنى! |
مُشيحاً عن الأهـواء، عَطفـاً لفكرة |
تُقلِّبهـا في سَوسـن الضَّـوء مُؤمِنا! |
همستَ بها مـن ربـع قـرنِ رهيفـةً |
وهـا هـي تَستدني المـداراتِ أَمْرَنا! |
تُطيفُ بها الرؤيـا شجونـاً عصيَّـةً |
على الفكر؛ ما عاطى الرَّخيصَ وأَذْعَنا! |
غَـذوْتَ بهـا جيـلاً فتِيّـاً، وأهفَتْ |
طلائـع تَحدوهـا: قلوبـاً.. وأعيُنا! |
* * * |
أتَذكر إذ كُنَّا لـدى الدرس (دَرْزَناً)
(2)
|
من الفِتْيةِ الشاديـن في الفـن مَوطِنا؟ |
مَشارِبُ من نَهـج العقول تَشامسَتْ |
والَّفهـا خيـطٌ من "الفـن" هَيمنا! |
وأنتَ حفيٌّ بالعقول تجاوبتْ |
على الأدب السامي: أهـابَ وأفْتَنا! |
تُدير حوار الناهضين، وتجتلي |
سوانحـه مـن بـازغ الفكـر مُعلِنا! |
وللشعر في ألْطاف بَهْوك فِتنةٌ |
يُنمنِمها ذَوقٌ تَضوَّأ واغتَنى |
تَبـوح بـه صوتـاً رخيمـاً، ولَفْتةً |
من الوهـج المضفور بالعطـر سَوسَنا! |
تُرنِّمه نَبضاً: طريفاً وتالداً |
تلامَـح مـن نَبـعِ القناديـلِ مُفتِنا |
تَشِفُّ، وللقيثار عندك لمسةٌ |
لسانحـة الوجـدان: بَوحـاً مُحنَّنا! |
تُنقِّر أوتار الجديد مُحلِّقاً |
مع الصوتِ: جيّاشَ الغصون مُدَوْزَنا! |
رهيفاً، إذا ألطفْتَ عينيك في المـدى، |
بصيراً بألماح البشارة، متْقِنا! |
مُنيفاً مـع النقـد الرَّصين، إذا بـدا |
شَموسٌ من القـول المُهلهَـل دُجِّنا! |
وتُمعِن في البَـون المعمَّـق بالحِجـى |
مُلمّـاً بأطـراف الشـؤون مُحصَّنا! |
ونُمعِن في البُعد المجدِّد للرؤى |
بما تَهـبُ الأفكـار من جِـدَّة الدُّنا! |
إذا شطَّت الآراء؛ فالعلم دَيدَنٌ! |
وأجملُ شـيءٍ فكـرك الحـرُّ دَيْدَنا! |
تُهيب بنا آناً، وحيناً تشدُّنا |
إلى نَهجـك السَّمْح الرَّزيـن مُوطِّناً! |
تَرفعتَ عن لَغـو الضحالـة مُحسِنـا |
وناضلتَ عـن أُفقِ الأصالـة مُمعِنا! |
عَزوفاً عن الكِبْر الهجـين.. أما تـرى |
بأجوائنا –اليـومَ- الأديـبَ المُهجَّنا؟ |
تَرنَّح تيَّاهاً بإيماء غَيره. |
وغمغم -مَجلوبَ الإهاب- وشَنْشَنا! |
وفي رَهَج المرآة هوَّمتِ الرؤى |
على حُفنةٍ ألفتْ صَدى اللحن أَهْونا! |
صَنائع أبواق المنابر، ثُلَّةٌ |
تُلمِّعها أجواقها الذُّرْبُ ألْسُنا! |
يَجوسون في سـاح الجرائـد هُيَّمـاً |
بألقاب نُقَّادٍ، إذ النَّقدُ أَوْهَنا! |
وأوصدَنا هذا الخَواءُ، أمَضَّنا |
خِطـابٌ بأحـراش الرِّطانـة أمْعَنا! |
يُباغِتنا نصّاً مُريباً.. مُموِّهاً |
ومُنشِئه صِفْر اليَراع؛ تَلوَّنا! |
* * * |
أبا مازنٍ هيَّجتَ في القلـب صامتـاً |
تشجَّـنَ أن يَعْرَى الكتـابُ ويَأْسَنا! |
وكُنَّا تَقَارَأْنَا الصحافةَ جَوهراً |
من الصدق مَبسـوطَ النوافـذِ أبْيَنا! |
فما بالُ أصحـابِ الغَريب تَوهَّمـوا |
صَحائفهـمْ أغرى مُتونـاً.. وأمكنا؟ |
وتَهذِر أقلامٌ؛ فتحجب مُبدعاً |
وتُعلي غَريـراً، بادئَ الخَطـوِ، هَيِّنا! |
وتَحتشِد الأفواهُ في كل مَوجةٍ |
ترامت علـى الشط المُخَـدَّر مَوهِنا |
تلفَّتْ تَرَ التيار أرْعَنَ مَوجَةً |
تَماهَى بـه ذَوبُ الطحالـبِ أَرْعَنا! |
وصوَّحَتِ الأغصانُ في الدَّوح، لاتَني |
زَوابِع تَغزو فَرعها المتغضِّنا! |
غدا الشعـر نثـراً، والروايـة خاطراً |
وتَهويمة الأقواس نقداً مُقنَّنا! |
مضتْ بمَرامِينا الأهِلَّـة، لَـمْ نُـدِمْ |
جديداً من الإبداع، أو نُلْـفِ مُمكِنا! |
* * * |
أمنصورُ، مـا أخبارُ رَبعِكـمُ الأُلَـى |
شَهِدنـا نَداهُمْ: باسِطَ الظلِّ والجَنَى؟ |
أمـا زالَ "خَطَّابٌ"
(3)
مُضيئـاً ومُلهماً |
يَفيضُ بآداب (الفِرنج) تَفنُّنا؟ |
وهَلْ ثَـمَّ للفُـرسِ احتفـاءٌ بفنهـم |
لدَى "البَدَليِّ"
(4)
النَّدْبِ: عِلماً ومُجتَنى؟ |
وما حَـظُّ أبعـاد الرَّصانـة بعدمـا |
رعى "الشامخ"
(5)
المهدَ الأصيلَ وحَصَّنا؟ |
وأين تُرئ أرسى "الضُبَيْبُ"
(6)
لـواءه |
ومَرفَؤه، حَـذوَ (التـراثِ)، تَوطَّنا؟ |
وكيفَ مضى بـ "الشَّاذِلِيِّ"
(7)
سبيلـهُ |
على العِيس؟ هل ألْفَى لدى (النحو) مَأمَنا؟ |
وماذا لـدى الرَّبع الميامين من خُطـىً |
تُوَطئُ (للضَّاد) المِهادَ المؤَمَّنا؟ |
عرفنـا بكـم جيلاً يُؤصِّل منهجـاً، |
وئيـداً، على رِسلِ الرَّجاحـة والعَنا! |
تَقاسَمَنا بَدْءُ المطاف شَبيبةً |
تَزامَنَ فينا: الصُّبـحُ والصَّـرحُ أَزْيَنا! |
لقد بَذخَ الصَّرحُ المُؤَثَّـلُ، وانتضـى |
مَفاتِحـه الغادُون في مَوكـبِ السَّنا! |
لعلَّ غـداً يَربـو الحصـادُ غضـارةً |
تُضـيءُ لأحلى مَوطـنٍ بَـرَّ وابتَنَى! |