شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تجليات للقلب!
"آهٍ! آهٍ! مِنْ قلَّةِ الزاد،
وبُعدِ السفر،
ووحشةِ الطريق!.."
(علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه)..
"مَنْ أنِسَ بالخلوةِ؛ فقد استمكنَ من بساط الفراغ"
(ذو النون المصري)..
*
تجليات للقلب!
"تجلَّيْتِ في فَيْضِ ألطافِكِ؛
فأفَضْتِ على القلبِ رهيفَ أُنْسِك!.."
* * *
.. وبعيداً عنكِ أرى الأيام تُبعثرني في ظلِّ الريحانِ؛
فأنشُد ظلَّكِ وأراكِ بقلبي. أهتفُ: أنتِ هنا، يا حُبِّي
السامي؟ يا قمري في ليل دروبي؟
* * *
أتلقاكِ بصدري فأضمُّكِ.. أتلقاكِ بقلبي فأضمُكِ..
أسمعُ شقشقةَ عصافير صباحكِ في بؤبؤ قلبي فأضمُّكِ!
وأضمُكِ راعشةً! وأضمُّكِ هامسةً! ضمِّيني في ظلِّكِ
يا ظلَّ دروبي!
* * *
أهتفُ باسمكِ في ليلي السهرانِ
وفي أفقي الظمآنِ
وأرسم فجركِ حينَ يرفُّ على غُصْني!
أرسم شمسكِ حينَ تضوِّئُ ركني!
أرسم ظلَّكِ حين يفيءُ على حزني!
لكني.. أتقرَّاكِ بعينيَّ فأبكي حينَ تغيبينَ كطفلٍ أفرده القمرُ النائي..
وأنادي: يا أمُّي، ما أكثر حزني!
ما أكثر حزني!
مسكوناً بهواكِ أغنِّي!
وغريباً في آلاء تُخوم الوردِ أغنِّي!
لكني.. أتحرَّاكِ تُطلينَ على لهفي، ويا حانيةً في قُدسِ بهائكِ، يا دانيةً في القلبِ! أراكِ فأنقش عطركِ في فننِ القلبِ: تراتيلَ.. تراتيلَ! وأهتفُ: مكةُ؟ يا مكةُ! يا أبدعَ ألطافِ القدسِ! ويا أجملَ ما في ملكوتِ الرحمنِ! أبثكِ هذا الهاتفَ في شجنِ القلبِ، الهامسَ تحتَ القمر النائي.
يا دانيةً وأنا النائي، صرتُ أُقَلِّبُ ذاكرتي فأراكِ.. أرى نجمَ طوالعِ تَرحالي يتماثلُ في آفاقِ هزارِ الدربِ المترامي في بابِ الآسِ، وأسمعُ وَقْعَ خُطى الأيامِ. وأهتفُ: مكةُ.. يا مكةُ، يا دانيةً أنا النائي.
يا حانيةً وأنا النائي!
وأنا النائي!
وأنا
النائي!
* * *
أقبِسُ من نُوركِ، فأحبُّ مدائنَ أرضِ اللهِ البازغةَ.. أحبُّ الفقراءَ الملتئمينَ بظلكِ، والفقراء الغادينَ إليكِ. وأقبسُ من زيتونةِ زهرِك عطراً؛ فأضمِّخُ نور الرؤيا، وأوضئُ نار الفكرِ. وأقبسُ من نخلةِ واديكِ غلالةَ صبرٍ أتفيؤها في شَمسِ هجير المدنِ المثقوبةِ في الريحِ. وأنتِ معي أتزوَّدُ بالأملِ العذبِ يشِفُّ فأنمو، ويرفُّ فأسمو، ويرقُّ ويومضُ في ليلِ المدنِ المتنائيةِ على بوَّاباتِ مداراتِ الآفاقِ. أرى ألويةً تتساقطُ، وعُروشاً تتهاوى، وطواغيتَ يُعفِّرها ميقاتُ الأبرارِ بأنقاضِ دمِ الجبروتِ. أرى أشجانَ الفاقةِ تحجُبُ أصواتَ المحزونينَ، وآلامَ المصفودينَ تُناهِزُ نارَ القمْعِ. وأبصرُ ألوانَ نساءِ الغجرِ، وأطفالَ الجوعِ على أرصفة نَواصي المدنِ المزهوَّةِ بالضوءِ وأشعارِ الشعراءِ وأعلام الحريةِ.. أبصرُ ما أبصرُ في هذا الكونِ الموبوءِ المكسورِ بأفكارِ الهتَّافينَ؛ الدهاقينَ؛ النمَّاقينَ؛ فأبكي! وأراك، فأهتفُ: مكةُ. يا مكةُ، ما أحلى عدلَ سمائِك! ما أعذبَ كوثَرَ مائكِ! هذا الكونُ المفتوحُ على أفنانِ وهيجِ الأضواءِ ينوءُ بأحزانِ الشعراءِ، وأحزان البُرآءِ، وأحزانِ البُسطاءِ، وأحزانِ المحرومينَ، وأحزانِ نساءِ البستانِ! فآهٍ من قِلَّة هذا الزادِ، وبُعْدِ السفرِ، ووحشةِ هذا الدرب! خذيني في راحةِ كفِّكِ: مكةُ، يا مكةُ، يا دانيةً وأنا النائي!
يا حانيةً وأنا النائي!
وأنا النائي!
وأنا
النائي!
* * *
مكةُ تُطلقُ سِرْبَ حمائِمها في آفاقِ المدنِ المتثائبةِ معَ الطيرِ تُضيءُ حمائمُها وترفرفُ في فيروزِ البواباتِ البيضاءِ.. تفتِّحُ بُرعمةَ الأوقاتِ.. يفوحُ الأرجُ المنشقُّ غمائمَ من نُوَّارٍ وظِلالٍ تنسِدلُ على ديباج الماءِ الموَّارِ.. تُطرِّزُ قِسطاسَ ملامحها في إكليلِ الغارِ..
- ألا من يشهدُ؟
- من يسمعُ؟
* مكةُ تبدعُ ألطافَ براعمها في أعطاف الكوْن!
- هَلْ مكةُ أحلى؟
- هَلْ مكةُ أغلى؟
*مكةُ أحلى في القلبِ وأغلى في العينينْ!
* * *
لكنَّ حمائمَها لا ترجعُ! تتناثر في آمادِ بريقِ اللَّيْلَكِ.. تجترُّ الذكرى كلَّ مساءٍ. يا أرضُ، ابتلعي ماءَك! غيضَ الماءُ ولمْ تستَوِ بالجوديِّ.. وقيلَ لنا ما قيلَ! ومكةُ تلهجُ بالحبِّ وبالذكرى.
- يا اللهُ، امنحْها: مطرَا!
وامنحها: شجرَا!
وامنحها: زَهْراً،
وثماراً،
وصباحاً،
وعُرَى
وامنحها: الحُبَّ/ الشمسَ/ القمَرا!
وحبيبةُ هذي الأفئدةِ الحرَّى تذخُرُ أطياراً أخرى لزمانِ القلبِ
وتنظمُ كلَّ صباحٍ ما بينَ يديْها مِنْ زهرِ القلبِ ومن نورِ العينينْ.
*مكةُ صارتْ ذكرى!
يا مكةُ، إنَّا نتزوَّدُ بالأملِ العذبِ يشفُّ ويومضُ في ليلِ المدنِ المتنائية على بوَّاباتِ مداراتِ الآفاق.. نراك فنهتفُ:
- مكةُ.. يا مكةُ، يا دانيةً في قلبِ النائي!
يا حانيةً في قلبِ النائي!
في نسرينِ القلبِ النائي!
في القلبِ النائي!
النائي!
النائي!
* * *
- مكةُ مَهْوَى النُّورِ اللألاءِ
أراها في ظلِّ الضوءِ، وظلِّ الماءِ!
• عبثاً.. أرقَأُ دمعي
كلَّ صباحٍ.. ومساءِ!
* * *
مكة المكرمة – السبت: 27/8/1410هـ
24-3-1990م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :468  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 67
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.