مَن أنتَ؟ تُومـئُ بالذكـرى، وتقترِبُ! |
والحـبُّ في مُجتلـى عينيك منتسَبُ! |
يَنسابُ مِـن فَنن الإصبـاح مُرتعشـاً |
على الشفاةِ؛ يُندِّي زَهرَها أرَبُ! |
أَلْماحُه بَهْجَةُ الأوقات؛ أرهفَها |
عُمْرٌ مِن المـاءِ مُخضَّـلٌ.. ومُختَصِبُ! |
العُمر تَبذُلُه – إيماءَ مُرتحِل – |
مِن نُورِ عينيـكَ! مـاذا كنتَ تَحتَقِبُ؟ |
وفي يَديكَ قناديلٌ مُسَوْسَنَةٌ |
يَأتمُّ آنسِها اللمَّاحَ مُغترِبُ! |
لمَنْ تَضيءُ؟ لمَـنْ تهـفـو.. علـى أملٍ |
حُلـوِ المنـارِ؛ تراءتْ دُونـه الشُّهُبُ؟ |
أللبلادِ التي أنَمتْكَ تُطلقُها |
رُؤيا؛ بما تَعِدُ الأيام أو تَهَبُ |
أللطفولةِ؟ للنَّشءِ المُغِذِّ على |
سَيفِ الـدروبِ؛ حداهـا الطالِـعُ الحَدِبُ؟ |
أللشبيبةِ؛ صاغَتْ نورَ خطوتِها |
مِـن نهرِ مَوكبهـا؛ تصفـو.. وتَصطخِبُ؟ |
* * * |
أطللْتَ مِـن شُرُفـاتِ الصُّبحِ مُبتهـلاً |
بالفَتـحِ؛ يَنسِـجُ منه: الحُلْـمُ والدَّأَبُ! |
ناديتَ في المَلأ الغادينَ؛ فافتتحتْ |
لكَ الرِّحـابَ أمـانٍ غَضَّـةٌ.. قُشُبُ! |
وأنتَ تَرسمُ أبعادَ المَدى مُهَجاً |
لَـهْفى إليـكَ؛ بما تَصبـو.. وتَنتخِبُ |
أنتَ الحفِيُّ بنورِ الله؛ تَقبِسُه |
مِـن دُرَّةِ في مَـدى المِشَكـاةِ تَنسرِبُ! |
مُهذَّبٌ، ناصعٌ، بالعَطفِ مُؤتنِسٌ، |
بالحِلْمِ مُؤتنِقٌ، بالعِلمِ مُنتدَبْ! |
أضَأْتَ هاجسَ هذي الأرضِ؛ فابتـدرتْ |
آفاقَهـا -مِن شَـذا المصباح- تَعتقِبُ! |
أضئْ مَـدارَكَ، وانظـرْ بَهْـوَ ساحَتِـه |
فكلُّ صَـوتٍ صَدى مـا كنت تَقتضِبُ |
* * * |
يا باعِثَ الجيلِ مِـن أنضـاءِ كوكبـهِ |
حَدِّقْ؛ فقد نَطقتُ -في شمسِها- الحِقَبُ! |
هذي بلادُكَ أحلى مَرفأٍ رسمَتْ |
مِرآتَه دِيمةُ الصحراءِ تَنْسكِبُ! |
وظَللتها فصولُ العِبءِ هاتفةٌ: |
هذا أوَانُ بَنيـكِ النُّضْـرِ، إن دَأَبـوا! |
في كُلِّ مُلتفَتٍ للصَّرحِ مدرسةٌ |
أبْهَى مَدارِجَها أبناؤها النُّجُبُ! |
الطَّالِعونَ على ميعادِ سَوْسَنِهمْ |
كالـوردِ يَهـدِلُ في يَنبوعِـه الرَّحَبُ! |
الباعِثونَ مَواقيتَ السَّنا، وهُمو |
صَوتُ الزمانِ، على أعقابِ مَـن وهَبوا! |
الناهِضونَ –بصمتٍ- في مَشارِفِهِمْ |
مِن الجَمَـالِ، وهُـمْ في الأمِـةِ النُّخَبُ! |
المُشرِقونَ، إذَا ما شَدَّهم نَسبٌ |
للأرضِ؛ فهْيَ لأنْقـى مَجدِهـمْ نَسَبُ! |
تَلفَّتتْ لِغَدٍ حَانٍ يُهفْهِفُه |
أجيالهُ الغُرُّ، أو أقطابُه النُّدُبُ! |
وهذه الأرضُ أزكى مَوطِئاً ويَداً |
علـى المدائـنِ؛ فيها الليـلُ والوَصَبْ! |
وهذه الأرضُ للهادِينَ مُحتضنٌ، |
داني الظلالِ لمَنْ أقصاهُ مُنقلَبُ! |
* * * |
أبصرتَ "مكـةَ" في نِسْريـنِ طَلْعتِهـا |
فَجـراً مِن النـورِ؛ يُستَهدى.. ويُرتقَبُ؟ |
هَلَّتْ مِن الأفُـقِ السامـي مُوشَّحـةً |
بالقُدسِ، يأرجُ فيهـا: المـاءُ والعُشُبُ! |
وأشرقتْ في ذُرا البيداءِ شامِخةً |
يَحفُّها اللهُ بالنُّعمى.. ويَصطحِبُ! |
وأطلعـتْ في مَطـافِ البَدِء صَفوتَهـا |
من البُنـاةِ يُحـاذي زَهْوَهِـا الرَّغَبُ! |
كُرْمَى لعينيكَ هذا "الصَّحْـوُ" تَشهـدُه |
في الضوءِ؛ تَصْفِرُه أمُّ وعَتْ وأَبُ! |
فاقرأْ صباحَكَ فينا، إنَّ فِتيتَنا |
ما زال فيهـمْ مِن الآبـاءِ مـا انتخبوا! |
زانتْ مَطالِعَهمْ شمسُ الجزيرةِ في |
أبراجِهـا الزُّهْـرِ، والإيمـانُ مُنتصِبُ! |
طلائعُ الفجـرِ؛ أضفى عِطـرَ بَهجتـِه |
علـى ملامحِهـم؛ فالصَّـوتُ مُختضَبُ! |
والقلبُ مُختلِجُ العُنقودِ، مُتشحٌ |
بالغارِ؛ تَرفُلُ في أفوافِه الهُدُبْ! |
لكننا، في صَـدى الأفكـار، بـين فتىً |
يَحذو سـواه، ومَـن في السِّترِ مُستلَبُ! |
إلا فتىً يَغتدي في البَونِ طالِعَه |
لعَلَّه مِن فصولِ الآسِ مُقترِبُ! |
فهلْ يَجودُ بُنـاةُ الفكـرِ –إن نُدِبـوا– |
بالحِلـم؛ يَستقرِب الشادي.. ويَجتذِبُ؟ |
ومَن يُجدِّدُ آفاقَ الحياةِ بما |
يَستقطبُ العِلـمُ، أو يَستلهِـمُ الطلَبُ؟ |
هو المُعلِّمُ نِبراسُ الحياة، أبٌ |
ما جاشَ بالقلبِ إلاَ زانَه أدَبُ! |
هو المُعلِّمُ بانٍ، ليس يُوهِنُه |
شَأوٌ مِن العِبءِ، في مـا شـاء يكتسِبُ |
إذا البلادُ أجالتْ ظِلها، وهمتْ |
فالماءُ نَبْعَتُهُ، والظلُّ مُرتحَبُ! |
يا شمسُ، يا ظـلُّ، يا أنـداءُ، يا بلـداً |
من الحمائـم، أبصِرْ جَمْـرَ مَـنْ نُكِبوا! |
على التخومِ بلادٌ أهلها زُمَرٌ |
أطواقهـمْ يَنتضيهـا الساسـةٌ القُضُبُ! |
العابثونَ بأعناقِ الجيادِ على |
أرسـانِ غَفلتِهـا؛ تكبـو.. وتَضطرِبْ! |
تَطفو "الشعاراتُ" في أبواقهـمْ خـدراً |
يَجترُّ -في الوهـمِ- ما قالوا وما كتبوا! |
هُتافهمْ كلماتٌ، لا يُهَدْهِدُها |
إلا زخـارِفُ ما تُفضـي بـه الخُطَبُ! |
المُترفونَ، وطيرُ الدَّوحِ في رُكنٍ |
ناءٍ؛ يَضيقُ بهِ في ناره السَّغَبُ! |
يَصيحُ هاتفُه، في سَرحِ نأمتِه: |
أيا محمدُ، ماذا ضيَّع العَرَبُ؟ |
أشجانُهمْ -في مِطـالِ الوقت- صائِتـةٌ: |
يـا ربُّ، تلكَ الرُّبا بالجَمْـرِ تَختَضِبُ! |
* * * |
تَرى وتَسمعُ، والأشجانُ عابرةٌ |
ما غابَ منهـا، وراءَ الصَّمتِ مُحتجَبُ! |
(لا خَيرَ في أرَبٍ ألقاكَ في لهَبٍ) |
وحفنَـةٍ مِـن رِعـاعِ القَـوْمِ تُنتَدَبُ! |
أينَ المدائنُ تنفي زيفَ غائلها |
لتستديرَ على أبوابها السُّحُبُ؟ |
يا حُـزنُ، يا مُـزنُ، يا أنـواءُ، يا بلداً |
مِن الغمائمِ، أينَ الماءُ والحَلَبُ؟ |
ألا بلادٌ تُغادي الطيرَ في أفُقٍ |
يَستلهِـمُ القبسَ الزَّاكـي.. ويَحتَدِبُ؟ |
ألا بلادٌ تَفي الإنسانَ قيمتَه |
مِـن الكرامـةِ؛ تُستجـدَى، وتُنتَهَبُ؟ |
ألا بلادٌ ترى في شَمسنا وهجاً |
مـن سِـدرَة الله، يُستَجلـى، ويُرتغَبُ؟ |
ونَحنُ في بلدِ الرحمنِ يألفُنا |
هَـديُ السماءِ، بما أهـدتْ لنا الكُتُبُ! |
هذي البلادُ فضاءٌ باذخٌ، ويَدٌ |
أحـنى على الحُـرِّ، إمَّـا سامَه التعَبُ! |
الناسُ فيما -علـى آمـادِ مَوئلِهـمْ- |
أهْدَى وأسمـحُ، إن لانـوا وإن غَضِبوا! |
وهُمْ أشَفُّ قلوباً في مُؤالفَةٍ |
وأرهـفُ الناسِ، إن غضُّوا وإن رَغبِوا! |
يَستلهِمـونَ جِـواءَ "البيتِ" لا شجَـنٌ |
يُـزري بهم في غَضـونِ الهَـمِّ أو رهَبُ! |
هُنا المآذنُ باسمِ اللهِ ناطِقةٌ |
زَهراءُ، يُومضُ منهـا: الصَّوبُ والحَدَبُ! |
هُنا الحقيقةُ! يا اللهُ، أيُّ رؤىً |
أضفتْ عليها السَّنا؛ فانْداحَتِ الحُجُبُ؟! |
كانتْ لنـا نَخلـةُ الصحراءِ مُلتفَتـاً |
أبقـى مِن الدَّهـرِ، لا تَعرَى وتَختلِبُ! |
وكُلُّنا في حِباءِ اللهِ مُلتمِسٌ |
غُصنـاً يَنوسُ؛ فهلْ يَسمـو بنـا سَبَبُ؟ |
يا أرضُ، يا قُدسُ، هُزِّي جِـذعَ نخلتِنـا |
علـى بَنيـكِ.. ألا يَسَّاقـطُ الرُّطَبُ؟! |
* * * |